سورة المائدة | ح 1012 | 64 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة المائدة يقول ربنا سبحانه وتعالى: "وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا". وهنا نقف وقفاً لازماً يشير إليه علماء الضبط بالميم (م)، يعني قف، ممنوع الوصل. فذهبوا يستشهدون بها من كلمة "ممنوع". إن حرف الميم لا يصل إليها، لأنك لو أوصلته فسوف تجعلها من كلام اليهود "بل يداه مبسوطتان". يعني لو أوصلت الميم ماذا ستصبح؟ "ولُعِنوا
بما قالوا، بل يداه مبسوطتان". أي أنهم هم الذين قالوا "بل يداه مبسوطتان" وربنا لعنهم لأجل ذلك. طبعاً هذا عكس المعنى تماماً، لا، هذا... هم قالوا يد الله مغلولة فكان ذلك سبباً للعنهم، والحقيقة الربانية الواقعية أن يداه سبحانه وتعالى مبسوطتان، بل يداه مبسوطتان، بل يداه مبسوطتان. إذاً، يداه وصفٌ وصف ربنا به نفسه بأن له يدان، وذلك
إشارة إلى الكمال. لو كان قال "بل يده" لكان يعني بل كرمه، لأن الله... منزَّه أن تكون له جوارح لكن العرب في شعورها الداخلي أننا إذا أخبرناهم عن ربنا بيد واحدة يعني كان ذلك دليلاً على النقص، ولأن الله في غاية الكمال ونريد أن يعتقد العربي والناس جميعاً من ورائه بذلك الكمال، فإنه قال: بل يداه مبسوطتان، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: وكلتا يمينه، ليس هناك شيء عنده اسمه يمين وشمال، لأنها يد منزهة
عن صورة الجارحة. هذه يدي، هذه خاصتي أنا، لكن ليس ربنا له يد هكذا. لا، عندما يقول "صنعت بيدي"، فهذا للكمال. فالله سبحانه وتعالى في تلك الصفات إنما أنزلها بلغة العرب، أما ما صورتها في ذات الله فلا. نعرف والسبب في عدم معرفتنا أننا لا نعرف ذات الله. ما هي ذات الله؟ أهي نور؟ أو ما هي ذات الله بالضبط؟ يعني هذا أصل الأمر. كل ما خطر ببالك، فالله بخلاف ذلك،
إذاً لن تستطيع معرفتها. هو وصف نفسه بأنه حكيم، بأنه قدير، بأنه مريد، بأنه استوى. على العرش بأن يديه مبسوطتان، بأنه له وجه، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام. أما شكله كيف يكون؟ قال لك: لن تعرف إلا إذا عرفت الذات. قال: حسناً، من الذي يعرف الذات كي يخبرنا؟ قال: لم يطلع على الذات نبي مرسل ولا ملك مقرب. تصحح، تصحح مرة ثانية. وقال تعالى "ليس كمثله شيء"، فأي صورة تتخيلها في ذهنك، فهو شيء آخر تماماً. ليس هو ما يأتي في صورة في ذهنك.
وما سبب ذلك؟ لأنك تعيش في الكون، فماذا رأيت؟ يعني رأيت الشمس، رأيت القمر، رأيت النجوم، رأيت الشجر، رأيت البحر، رأيت أي... شيء آخر بالإضافة إلى ذلك كله، أرأيت الإنسان، أرأيت أنه لن ينفع، ولذلك لن تستطيع أن تأتي به بعقلك، ولذلك منع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى الطرق الموصلة إلى هذا الشرود الذهني لأنه علم لا ينفع والجهل به لا يضر، فأمرنا ألا نغمض أعيننا في الصلاة، فأنا في الصلاة أركز وأقول. الحمد لله، ركّز هكذا، وأنا الله، هذا الذي خلق الخلق، قال لك: لا تغمض عينيك هكذا في الصلاة لئلا يخطر في بالك شيء. طبعاً ليس هو ربنا، وهذا كان
مصدر وسواس كبير على بعض من أصابهم الله بالوسواس، أن يأتي ويقول لي: إنني في الصلاة أتخيله كذا. ماذا أفعل؟ قلت له: هذه هي فائدة التسبيح. "سبحان ربي العظيم" في الركوع، "سبحان ربي الأعلى". ماذا تعني كلمة "سبحان"؟ تعني أنزهك يا الله من كل صورة ومن كل مثال ومن كل شيء. فالرب رب والعبد عبد، وهناك فارق بين المخلوق والخالق. هكذا هي القاعدة. ولذلك "بل يداه مبسوطتان". يعني أنه كريم واسع الكرم وهو يحبنا لأننا صنعته والحب
عطاء حتى قال تعالى: "وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها". امسك نفسك هكذا ثم امسك البيئة المحيطة بك واجلس وأحضر ورقة وقلماً، وكلما تقول "أنا انتهيت" يتضح أنك نسيت أشياء كثيرة. انظر إلى عينيك، انظر إلى أذنيك، انظر إلى أنفك، انظر... ستقول هذا الكلام، وأسنانك، أَنَسِيتَ شيئاً أيضاً؟ وعملية البلع التي يسَّرها الله لك، والطعام الذي رزقك به، والمعدة التي تعمل بشكل صحيح وتهضم الطعام، وكذلك الإخراج، والنوم، وتستمع لكل شيء بأذنك السليمة، وعقلك الذي وصلت إليه الإشارة.
وفهمك طب وأمره لجسمك طب لا تُحصى ولا تُعد، وربنا سبحانه وتعالى كريم. هذه عقيدة عندما تُعرض عليك كإنسان - دعنا من كونك مسلماً - أنت بشر، وإذا جاءك أحدهم وقال لك إن الله رب الكون بخيل، والآخر قال لك إن الله رب الكون كريم، بالله عليك، ببساطة، وأنت لست مسلماً، من ستصدق الذي... قالَ أنّه كريمٌ ولا الذي قالَ أنّه بخيلٌ؟ طيب، بماذا تشعرُ في داخلِك؟ أنّ الذي يقولُ كريمٌ هذا يعني مؤدّبٌ وأنّ الذي يقولُ بخيلٌ هو قليلُ الأدبِ وليسَ عندهُ أدبٌ. بماذا تشعرُ في داخلِك؟ أنّ الذي يقولُ كريمٌ هذا يعني رجلٌ ماذا؟ ليسَ نذلاً لأنّه
يردُّ الجميلَ. طيب والذي يقولُ بخيلٌ؟ يكون رجلاً نذلاً لأنه لم يتأثر بكل ما فعله الله معه وغير راضٍ أن يفهم. وتعرف أن الذي يفهم هو الرجل الذي يرد الجميل، هذا هو الذي يفهم. فأنا كإنسان ليس لي إلا أن أكون كريماً بالفطرة. هذه هي التي تسمى الفطرة، فطرتي سليمة هكذا، "فطرة الله التي فطر الناس عليها". عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم دين وقيم ولذلك يا جماعة من هدأ باله ونظر إلى حاله فإنه لا يسعه إلا
أن يؤمن بالله رب العالمين فتنبه فإنه يشكل على كثير من الخلق ويدخلنا في جدل وكلام طويل عريض ليس له فائدة هو ربنا كريم وليس بخيلاً. هذه هي الحكاية، لا إله إلا الله، نحن نؤمن بالله ونحب الله، وإلى لقاء آخر، نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.