سورة المائدة | ح 1013 | 64 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة المائدة يقول ربنا سبحانه وتعالى: "بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء". فالرزق بيد الله، بسطه لبعض الخلق وقدّره على بعضهم، والله سبحانه وتعالى يبسط الرزق ويقدّر بحكمة لأن المال. عند بعضهم إذا فقده فسد وعند بعضهم إذا أعطاه فسد، فتراه أنه يبسط الرزق حتى يعالج هذا،
ويضيق الرزق حتى يعالج هذا. والمال اختبار وامتحان، والدنيا اختبار وامتحان، ولذلك فإن الله يستعمل المال للاختبار والامتحان، فيبسط لهذا ليرى ما إذا نفذ ما أمره الله فيه، فأعان به المحتاج وأخرج الزكاة. للفقير وأصلح الدنيا وعمرها بذلك المال أو أنه سيفعل عكس ذلك من إفساد وفساد ويضيق على هذا للاختبار
من أجل أن يرى هل يصبر ويؤدي واجب الفقر من حسن الصبر فصبر جميل. الصبر الجميل الذي لا يكون معه شكوى ولا يكون معه تبرم ولا يكون معه إفساد ولا يكون. معه انحراف، حسناً، ماذا أفعل؟ أنا مضطر أن أسرق وأرتشي وأفعل لأنني لا أجد وليس لدي. هذه عندما نبحث فيها نجدها يعني أيضاً ليست بهذا القدر، أو هو معتاد على الرشوة والسرقة والمعصية، ثم إنه قد اعتاد على هذا فلا يستطيع أن يخرج من غناه الموهوم. فإذا ربنا...
سبحانه وتعالى كريم ينفق كيف يشاء من أجل الحكمة ومن أجل الامتحان. الهدف هكذا في إنفاقه كيف يشاء، وهذا يجعلنا نعلم حقيقة مهمة في حياة الإنسان أن الرزق كالأجل بيد الله. كلمتان بسيطتان جداً ويمكن لا أحد يعترض، لكن عِش معهما وانظر ما معناهما. ما دام الرزق والأجل بيد الله لا تخف من أحد ما دام الرزق والأجل بيد الله، فلا تذل نفسك لأحد ما دام الرزق والأجل بيد الله. توكل حق
التوكل على الله ما دام الرزق والأجل بيد الله، واتركها على الله، اتركها على الله. ماذا يعني ذلك؟ يعني الرضا، ليكن لديك رضا وتسليم، الرضا. والتسليم هو عندما ينسحب المرء من حياة الناس، يُصيبه الجنون، فيصبحون مجانين، يصبحون مسعورين، يطلبون ويلحّون في الطلب، ويذلون أنفسهم من أجل الرزق أو خوفاً من الأجل، خشية أن يميتهم. حسناً، فليمتك! ما المشكلة في ذلك؟ أهي سهلة هكذا؟ هل الموت سهل؟ لا، ما ليس سهلاً هو الذل، ما ليس بنو آدم جيدون؛ أي أريد أن أقول إنك إذا وضعت كرامتك في مقابل
حياتك، فإن حياتك لا معنى لها في الأصل وأنت مُهان. هذه مسألة بسيطة. فانظر إلى حقيقة ينفق كيف يشاء؛ حقيقة عجيبة غريبة تُخرج الإنسان من ذُله وترفع رأسه، ويستقيم بذلك فكره، وتحسن بذلك معاملته مع ربه. ويأتي في هذا النطاق وعلى هذه الحقائق "وإذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله". واضحة إذن لماذا؟ لأنه هو الذي ينفق كيف يشاء، ولماذا؟ لأن الآجال بيده سبحانه وتعالى، فلا تخف من أحد. وكما قلنا إن
المسلم لا يترك الأسباب لكنه لا يعتمد عليها، فترك الأسباب جهل. والاعتماد عليها شرك، هذه هي الوسطية والاعتدال، وهذه هي المفاهيم، وهذا هو السلوك المبني في طريق الله سبحانه وتعالى. إن الفلاح يلقي البذرة ثم يدعو قائلاً: "يا رب"، لكن لو لم يلقِ البذرة فلن تنبت نبتة. نعم، إنه لا يعتمد على الإلقاء ولا على حوله ولا. قوته هو أنه يقول: يا رب استرها ولا يأتِ إعصار ولا يأتِ فيضان ولا تأتِ زوبعة ولا تأتِ آفة تأكل الزرع وتدمره، ويخرج بعد هذا المجهود كله بلا شيء. ينفق كيف
يشاء ولا يزيدن كثيرًا منهم ما أُنزل إليك، أو رجعنا مرة ثانية يكشف أن الأمر ليس عامًا كثيرًا. منهم ولا يزيدنَّ، ولا يزيدنَّ كثيراً منهم. حسناً، والقليل القليل يكون الله قد هداه ويعرف الحقيقة التي أُنزلت إليك من ربك، بينما يزداد الكثير منهم طغياناً وكفراً. أول ما يأتون ويسمعون هكذا، أول شيء يكذبونه، "لا، نحن لسنا هكذا، لا أحد يقول فينا أن يد الله مغلولة". كذب. أنت حر، ولا حق هذا يدخلك في نطاق المغضوب عليهم
لأنك تعلم الحق ولا تتبعه. هذا هو الطغيان والكفر: التصميم على ما يقول، نفس الكلام الذي ربنا سبحانه وتعالى وضح له أنه لا ينبغي وأنه كفر، فإنه سيستمر عليه. وبعضهم قال: الطغيان الزيادة في الكفر، والكفر الاستمرار فيه، يعني سيستمرون وسيزيدون. طيب يؤدي بماذا أنك لا تقيس هذا حكم الله فيهم هكذا وأنك لا تنتظر النتائج من تبليغك ودعوتك وإرشادك وبيانك قُلْ وتوكل
على الله ليس لديك شأن بذلك وهذا سيؤدي بك إلى ماذا؟ إلى الهدوء النفسي ستجد نفسك هادئة لماذا؟ لأنك غير مسؤول عن النتائج فالدنيا ليست ملكك ولا خاصة بك عندما يشعر المرء أن هذه الدنيا ملكه وخاصته، يبدأ بالإفساد في الأرض، فهي خاصته إذن ويدافع عنها. أما عندما يشعر أنها ملك لله، تجده هادئاً تماماً. أعجبك هذا الكلام فتقول: "دع الأمر لله، الله غالب يا أخي". إذن هؤلاء القوم الذين ظنوا أنفسهم قد... ملكوا الأرض وأن لهم حولاً وقوةً وفعلاً ونتيجةً، يقول لك: أنت بليد لماذا هكذا؟ قل له: أنا لست بليداً، حاشا لله،
أنا أغضب لغضب الله وأنا أُبيّن بيان الله، لكنني لست بليداً، بل أنت الذي تفتري قليلاً، وأنت الذي تريد أن يكون لك حولٌ وقوةٌ ومُلكٌ، وأنك أنت الذي... ماذا تفعل؟ أنا أقول إن الله هو الذي يفعل، وأنا لا أسكت، بل أعمل أيضاً، لكنني أعمل بهدوء، أعمل بتوكل، أعمل وأنا أقول يا رب، وأنت تعمل وتقول يا نفسي. وإلى لقاء آخر، نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله