سورة المائدة | ح 1014 | 64 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ والصلاةُ والسلامُ على سيدِنا رسولِ اللهِ وآلِهِ وصحبِهِ ومَن والاهُ. معَ كتابِ اللهِ وفي سورةِ المائدةِ وعندَ قولِهِ تعالى: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ۚ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا ۘ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ۚ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ طغياناً وكفراً وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فساداً والله لا يحب المفسدين. صدق الله. وكان المرء قديماً يتعجب
لماذا أكثر ربنا من ذكر اليهود؟ فاليهود قلة لا يزيدون عن عشرين أو خمسة وعشرين، أو لنقل ثلاثين مليون يهودي في العالم كله يعني ماذا ونحن الآن ستة مليار فثلاثين على ستة آلاف يكون ثلاثة على ست مائة أي اثنين ونصف في المائة. ثلاثة على ست مائة يكون واحد على ثلاث مائة أي ثلث في المائة. واحد على ماذا؟ لا، واحد على مائتين يكون نصف في المائة. تخيل نصف في المائة. ويصبح عليهم ثلاث أو أربع قصص من القرآن وتوجهاته،
فيجب أن يكونوا خمسين بالمائة، أي ليسوا سهلين، خمسون بالمائة منهم للخطط والتدبير، وخمسون بالمائة للإشكالات. والعجيب أنني والله حتى الآن لست فاهماً، فقد قرأت كثيراً، قرأت كثيراً جداً، وطفت الأرض وما من شيء ذهبت إليه مرة واحدة فقط. لا توجد مدينة ذهبت إليها مرة واحدة، لا، بل مرتين أو ثلاث أو أربع أو خمس أو عشر مرات هكذا يعني، لكن مرة واحدة لا. ما زلت لا أفهم حتى الآن لماذا تقيم إسرائيل هنا، يعني حتى الآن وأنا أقرأ القصة
التي هي مكتوبة والتي كتبوها هم، ليس يحيى، دعنا يقول لك إن هتلر أمسكهم وضربهم، حسناً، وصنع شيئاً يُسمى الهولوكوست، وإن مَن ينكر الهولوكوست فهذه تصبح جريمة ويصبح عدواً للسامية ويدخل المحاكم ويُسجن وليته يُؤخذ. قلنا له: حسناً، ليست خدعة ولا شيء، لكن هناك صحفي أمريكي ألّف أنها خدعة القرن العشرين وأنه لم يكن فيها هولوكوست ولا شيء. قال... إياك أن تقول هذه الكلمة في درس، وإياك أن تقول هذه الكلمة في وسائل الإعلام. الهولوكوست حدث حقيقة، لا أحد يقول لا. حاضر، حدث. طيب،
احلف. نحن في مصر نقول ماذا؟ والنعمة حدث. لننتهي من هذه القصة كي لا نتوقف عندها. لنرى ما الأمر، لكن هذا حدث. قالوا له جيد أم سيئ؟ لا، إنه سيئ. حدث شيء سيئ حين قتل هتلر ستة ملايين يهودي، أو لا، سبعة، ملايين. وهل هتلر هذا مجرم أم ليس مجرماً؟ مجرم. من الجيد أنك تقول هتلر... لا، قلت لهم لا. كلما أقول هتلر يريدون أن يجادلوا لكي نصل فقط. ما هي القصة إذاً؟ قصة نفهمها في الهولوكوست وما حدث، والذي يسجلونه علينا من إخواننا الصهاينة. دعني أقول إن
الهولوكوست حدث حتى لا أكون معادياً للسامية، لأنني سامي أصلاً، فأنا من أبناء سام. فالهولوكوست حدث وراح ضحيته ستة ملايين، ستة ملايين. هتلر مجرم، هتلر مجرم، ولو لم نكن في درس علمي لكنت شتمته وشتمت وبعد ذلك ماذا حدث إذاً؟ قال: حسناً، ألم تنتهِ المسألة؟ قلت له: انتهت، كيف؟ قال: هل هتلر ضربهم أم لا؟ قلت له: ضربهم والله، وسلقهم في ذلك الشيء، وارتكب ضدهم أفظع ما يُرتكب ضد البشرية. قال: حسناً، انتهى الأمر إذاً، فيصبح لهم حق في فلسطين! هذه النقطة لا أفهمها. الذي لا أفهمه حتى الآن، يعني الآن ما حدث مع هتلر قلنا صحيح، وألمانيا قلنا صحيح، وشيء
مقزز ومثير للاشمئزاز صحيح، فما علاقة هذه القصة بفلسطين؟ هذا ما لا أفهمه. قالوا إنهم تعرضوا للظلم، قلت لهم صحيح تعرضوا للظلم، حسناً، عندما ظُلموا ألا نجد لهم مكاناً يستقرون فيه؟ فيها طبعاً يجب أن نجد لهم قطعة من حقهم علينا أن نجد لهم قطعة، حسناً، القطعة في أين؟ في ألمانيا. القطعة في ألمانيا، نأخذ قطعة جيدة أكبر من فلسطين ونعطيها لليهود، ويشترك العالم كله في دفع تبرعات لهذه القطعة الألمانية. لكن الذي أريد أنا أن يفهمه هو أننا عندما ضربناهم. في
ألمانيا، يا أوروبيون، ما الذي جعلنا نعطيهم فلسطين؟ هذا السؤال الذي لا توجد إجابة عنه في أي كتاب ولا أي شيء، إنما التتابع واضح هكذا: اليهود تعرضوا للظلم، ونريد أن نُرضيهم، أنتم ضدنا وضدهم، لا، نريد أن نُرضيهم، وعلى فكرة، المسلمون أرضوهم طوال الوقت، فالمغرب فتحوا لهم. صدَّرهم عندما ضربهم النصارى في إسبانيا في محاكم التفتيش وطردوهم من إسبانيا من الأندلس، فالمغرب فيها يهود حتى اليوم بناءً على أنها استقبلت الوافدين النازحين المطرودين اللاجئين من الأندلس. تركيا والدلمة وسلانيك وكل ذلك أخذ اليهود من الأندلس أول ما طردوهم،
وفي العموم، مصر بقي فيها اليهود ولا يزالون. توجد حتى اليوم معابد اليهود واليهود وكل شيء احتضناه، وكان الناس لدينا في غاية الراحة، ولدينا حارة هنا بجوارنا قرب الأزهر اسمها حارة اليهود. كان يسكنها اليهود وما زال يسكنها بعض اليهود إلى الآن، ولهم أوقاف في الإسكندرية وفي القاهرة وفي أماكن أخرى، وكانوا أهل صناعة ووزارة وغير ذلك. لا مانع، لقد أكرمناهم وأخذناهم، وعلى كل حال نريد أن نُكرم أيضاً الناس الذين فقط... ما الذي أعجب فلسطين؟ هذا هو السؤال المحير الذي لا نعرف له جواباً. حسناً،
ألا يخبرنا أحد لماذا تزيلون فلسطين إسرائيل؟ لا. ولماذا عندما آمنّا بالهولوكوست كرهنا إسرائيل؟ إذا كنت مؤمناً بالهولوكوست يجب... أتحب إسرائيل؟ قلنا لهم: لا، إسرائيل تقوم كل يوم بهولوكوست ضد الفلسطينيين، ونحن حزينون من ذلك لأننا نحزن من كل هولوكوست، سواء الهولوكوست الذي كان يقوم به هتلر أو الهولوكوست الذي كان يقوم به شارون. نحن حزينون من هذا وحزينون من ذاك. العدل والإنصاف والشفافية والمصداقية هي ما يفتقدها هؤلاء الذين غضب الله عليهم من أجلها وألقى
بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة، ولذلك تراهم أحزاباً وشيعاً، وبعضهم يكفر بعضاً، وبعضهم لا يرضى عن فعل بعض. ولذلك، فإلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.