سورة المائدة | ح 1017 | 67| تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة المائدة يقول ربنا سبحانه وتعالى: "ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم"، ولذلك فإن الله سبحانه وتعالى يتعامل مع الإنسان بما علمه. قال تعالى: ذلك مبلغه من العلم فإنه يحاسب الإنسان طبقاً لما علمه من الذي علمه الله، فإذا كان الله سبحانه وتعالى قد أنشأ إنساناً في وسط المسلمين فذلك من عند الله، أصبح مسلماً من غير حول منه ولا قوة، وإذا
كان الله خلق أناساً في غير المسلمين بل ولم يسمعوا عن الإسلام. ولم يعرفوا منه شيئاً خاصةً في عصرنا النكد الذي شُوِّهت فيه صورة الإسلام، فخرج هذا الطفل يسمع عن الإسلام كل سلبي ولا يسمع عنه أي خير، فظهر الإسلام في ذهنه أنه ضد الصلاح وأنه ليس إلا مع الفساد هكذا في ذهنه، فهذا لا يعاقبه الله سبحانه وتعالى عند السادة. الأشاعرة يقولون إنه ناجٍ. لماذا؟ لأن الرسالة لم تصل إليه. ربنا سبحانه وتعالى جعل هناك بلاغاً للرسالة، وما على
الرسول إلا البلاغ. فإذا لم تُبلَّغ الرسالة بصورة لافتة للنظر، فإنه يكون خارج نطاق المسؤولية. ينظر الله سبحانه وتعالى إلى حُسن خُلقه وإلى فعله مع الناس، فإذا رآه حسناً فإن الله سبحانه وتعالى... يغفر له ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أُنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم منهم أمة مقتصدة وكثير
منهم ساء ما يعملون. يُعلمنا ربنا مرة بعد أخرى الإنصاف ويربي فينا ويكاد في كل آية. إلا أن نعمم الحكم منهم، فبعضهم أمة مقتصدة تسير على الصراط المستقيم، تؤمن فعلاً بالله، تحب أن تلتزم وتخاف من ربنا، وكثير منهم ساء ما يعملون غير ملتزمين. نكرر مرة بعد أخرى: أولاً، الله يعلمنا الإنصاف "لا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى". ثانياً، ربنا كلما تكلم...
عن أهل الكتاب فإنما يتكلم عنا ويتكلم عنهم حكايةً، ويتكلم عنا تكليفاً وتشريفاً وعبرةً، فلا نكون بالصفات التي ذمها فيهم، ونكون بالصفات التي مدحها فيهم. فهذا مقصد ذكر أهل الكتاب أن نلتفت إلى أنفسنا، والنبي صلى الله عليه وسلم كثيراً ما كان يقول وهو يربي عقولنا على الإنصاف والعدل والعدل. يحبه الله يقول: ترى القذاة في عين أخيك وتدع جذع النخلة في عينك. في عينك شرطة صغيرة هكذا، تقول: الله، انظر إلى الشرطة التي في عينك، وأنت لا تنتبه أن في عينك جذع نخلة. أنت
لست منتبهاً أن المساوئ التي فيك أكثر من المساوئ التي أنت تنظر إليها. إليها في أخيك، ولذلك بعد أن علَّمَنا الإنصاف وعلَّمَنا العبرة التي يجب أن نأخذها منه، "فاعتبروا يا أولي الأبصار" يعني انظروا إلى حالهم واعبروا به إلى حالكم. ولذلك أخذ العلماء من قوله "فاعتبروا يا أولي الأبصار" أصل القياس في الفقه، فالاعتبار يعني أننا نقيس حالنا على حالهم وفيها عبرة بمعنى. موعظة: ولذلك عندما نقرأ كل ما
يتعلق بأهل الكتاب فعلينا أن نطبقه على أنفسنا وكأنه موجه لنا، ولأننا أيضاً أهل كتاب وكتابنا القرآن. "ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم". حسناً، ولو أنكم أقمتم القرآن في أنفسكم. هذه هي العبرة إذاً. لأكلتم من فوقكم ومن تحت أرجلكم ولكن أكثر الناس لا يعلمون. هنا تأتي قضية الثقة بالله وتأتي قضية الصبر في الله. والصبر في الله أن تصبر في معاملتك مع الله، فكثير
من الناس يتعجل، وخُلِق الإنسان عجولاً. يدعو ويريد أن يستجيب الله له فور دعائه، فإذا أخّر عنه الاستجابة غضب. وغضبه في الحقيقة هو غضب من الله، ولا يجب عليك يا من احتجت إلى الله في وجودك هذا، ربٌّ أنت محتاج إليه في وجودك هذا، لو سحب منك الإمداد لهلكت، فأنت تُخلق كل لحظة خلقاً جديداً هكذا، فهو الخلاق لأنه كثير الخلق، ولو أنه تركنا ولم يخلقنا لفنينا
جميعاً. إنه كن فيكون، فأمره بين الكاف والنون فيكون على الفور. إنه ربنا، فاحذر أن تقع في هذا الشرك بأن تغضب من ربك، وهذا يظهر عند الصدمة. شخص مات له عزيز ويقول: "يا رب لماذا فعلت هكذا؟"، يطالب بحقه من الله، لأن هذه هي الحكمة، ففي ذلك خير لك في الدنيا والآخرة لو علمتم. ما في الصبر من أجر لتمنيتم المصاب كل لحظة، ولكننا لا نصاب كل لحظة، ولذلك فنحن في رحمة وفي بحبوحة، وستظل الدنيا أكبر منا، نأتي ونرحل
ونموت والدنيا تمضي كما أرادها ربنا. إذاً ثق بالله، ثق بالله أول شيء هكذا، أهم شيء أن يكون لديك ثقة بالله، ربنا رحيم ولكنك قد... لا ترى رحمته، فإذا أصابك بمرض فهو يدخر لك الأجر والثواب على ما صبرت وما عانيت، والمرض يكفر الذنوب ويرفع الدرجات ويعطي الأجر العظيم. ثلاثة أمور: محو الذنوب، ثم بعد ذلك إعطاء للأجر، وبعد ذلك ثالثاً رفع للدرجات. ليس
هناك أجر أفضل من هذا، قم وصلِّ. ربنا سبحانه وتعالى يعطيك عشرة في اثنتين ركعتين فتصبح عشرين، ومنها ما يصل إلى سبعمائة فتصبح ألفاً وأربعمائة، ومنها ما يصل إلى أضعاف كثيرة: عشرة آلاف أو عشرة ملايين أو عشرة مليارات، والركعتان هما هما، فالدرجات ترتفع. فليجعلنا ربنا سبحانه وتعالى من أصحاب الدرجات العاليات، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.