سورة المائدة | ح 1019 | 67| تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة المائدة يقول ربنا سبحانه وتعالى: "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته"، وهذه الإضافة "وإن لم تفعل فما بلغت رسالته" تدل... على استقلالية القرآن عن ذات النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، فلو كان هذا من عنده ما قال هذا، بل كان قال: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من
ربك والله يعصمك من الناس. الإنسان حين يتكلم عن نفسه وما دام عظيماً هكذا ومفخماً نفسه كثيراً هكذا، لا يذكر هذا الجزء. هذه الآية "وإن لم تفعل فما بلغت رسالته" تشير إلى كلام من شخص آخر يهدده قائلاً: إذا لم تفعل هكذا فأنت خارج عن النطاق، خارج عن نطاق النبوة ونطاق الرسالة ونطاق الطاعة وهكذا. هذا يكون شخصاً آخر يقول له، وفي ذلك إظهار لقهر الله سبحانه وتعالى على عباده، وفيها
إقرار بالعبودية. النبي المصطفى لربه صلى الله عليه وسلم وأنه لا حول له ولا قوة مع جلالة قدره وعلو مقامه واصطفائه إلا أن الأمر بيد الله وأنه لا يملك شيئاً وأنه إذا رد نفسه إلى الصفات البشرية فإنه يخاف من نفسه ويخاف من تقصيره ويخاف من الناس ولكن إذا تمسك بالأوامر الإلهية فإنه يكون على الضد من ذلك دائماً. لا تحرك به لسانك لتعجل به. يطمئنه: مم تخاف؟ أتخشى أن
تخطئ؟ قال له: لن تخطئ. أتخشى أن تقصّر؟ لن تقصّر. أتخشى أولئك الناس المحيطين بك وأنت لا حول لك ولا قوة وليس لك شأن بهم؟ قاتلوني، قاتلوني، قاتلوني، قاتلوني، يريدون قتلي. يقتلونني قبل أن أكمل، أنا لا شأن لك. يقتلونك قبل أن تكمل، كيف لا شأن لك؟ أنت تتدخل. فيقول له ربه يواسيه: "والله يعصمك من الناس". حسناً، أقسم عليك بالله والنبي، وقد أتوا له في بدر. أين تقع بدر هذه؟ في المدينة. ثم في أُحد. أين تقع أُحد هذه؟ في المدينة. ثم في... الخندق، الخندق هذا أين؟ في المدينة حول المدينة صنعوا الخندق. يعني كل العدوان جاء
إليه، هو لم يذهب إلى أحدٍ، ولم يضرب أحداً إلا بعدما هُدد في نفسه. وخيبر تريد أن تضرب المدينة من الشمال، ومكة تضرب المدينة من الجنوب، ويقضون على هؤلاء. وهو في بدر الكبرى أيضاً كان كذلك، كانوا قادمين ليقتلوا الثلاثمائة. مائة هؤلاء وينهون الدنيا من إسلام وغير إسلام وهذا الكلام، هم قادمون ناوين أن ينهوا على الثلاثمائة وينتهي الأمر، وواثقون من أنفسهم كثيراً. وبعد هؤلاء الثلاثمائة، نصفهم عاجز والنصف الآخر ليس معه أسلحة، إن لم يكن فيهم رجل فارس مثل علي بن أبي طالب أو مثل حمزة. ولا مثل عمر لأنهم ليس معهم سلاح، فهم
مقتولون مقتولون بإذن الله بإذن الله، والعزة التي لم تنفع ولا العزة نفعت، والذي نفع هو رب العالمين الذي أنزل الملائكة، وهؤلاء الثلاثمائة قتلوا سبعين مشركاً من المشركين وأصبحوا عند الله سبحانه وتعالى مغفوراً لهم على ما كان وما يكون من عمل طيب. محمد ذكي عبقري بشهادة الجميع الذين حضروه والذين لم يحضروه، يقولون إن هذا الرجل عبقري. والعبقري يدخل في هذه المضايق ويقول: "والله يعصمك من الناس". لا يقول ذلك لأنه معرض للقتل في
أي وقت. لقد حاربوه وسموه، وهو ذاهب إلى خيبر ليتفاهم معهم، فذهبوا وسموه، وكان يقول: "قطع سمها الأبهر"، والأبهر هو الوريد الرئيسي. الذي هو في ورطة، أي مريض، وحتى قيل إنه مات شهيداً بالسم. هل أنت منتبه؟ لماذا لم يمته السم؟ والله يعصمك من الناس. وبعد سنتين أو ثلاث أو أربع مات. حسناً، نريد أن نكتبه شهيداً. الملائكة تريد أن تكتبه شهيداً. قال: إنه من أثر السم الذي أصابه من زمن، فيكون قد تحقق ذلك. ما هذا؟ لا، هذا أمر من الله، والله يعصمك من الناس، فعسى أن لا أحد قتله،
ولا أحد يستطيع أن يقتله، بالرغم من أنهم طلبوه. فلو كان الأمر كذلك لكان سكت، لكن هنا يقول: والله يعصمك من الناس. كان هناك قيس بن سعد بن عبادة على شرطة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قيس. ابن سعد هذا كان طويلاً يبلغ طوله حوالي ثلاثة أمتار تقريباً، والنبي جعله وزيراً للداخلية مسؤولاً عن الشرطة، أي وزير الداخلية. فكان قيس يقف على خيمة رسول الله صلى الله عليه وسلم للحراسة، هذا سيدنا رسول الله، فوزير الداخلية
بنفسه هو الذي يحمي الحارث. فلما نزل قوله تعالى والله... يعصمك من الناس، قال له: "يا قيس، اذهب". آه، بخلاص، إذن قيس بن سعد هذا هو كان، كان يقول لك مثل ماذا؟ طول سيدنا عمر هكذا، اثنين متر وسبعين، ثلاثة متر، شيء كهذا. وهو كان، كان من قادة الجيوش العظام، وعندما قال سعد بن عبادة في يوم فتح مكة: "اليوم... يوم الملحمة سنجعل الدم يصل إلى الركب، قال كذباً. أخذ سعد القيادة من عنده ووضعها في قيس ابنه حتى لا يغضب سعد، ولكن كلمة كبيرة جعلت الخطة كلها تضيع، فذهب وسحب منه القيادة
وأعطاها لقيس وجعل سيدنا علي مشرفاً على هذا الأمر. فلما نزل قوله تعالى "والله يعصمك من الناس" صرف قيساً. قال له: "ليس لي شيء في ذلك، انظر إلى اليقين". قَبِلَ الله ذلك. كان قيس يحمي سيدنا رسول الله واقفاً على الحراسة فوق الخيمة. بعد ذلك، خلاص، سيحدث ما سيحدث: أن شخصاً سيأتي ويمسك السيف ويضعه على رقبتك يا سيد الخلق. حسناً، دعه يفعل ذلك. فيأتي الأعرابي والنبي نائم ويمسك السيف. فَالنَّبِيُّ يَفْتَحُ عَيْنَيْهِ هَكَذَا وَيَجِدُ الأَعْرَابِيَّ فِي يَدِهِ السَّيْفُ، قَالَ: "يَا مُحَمَّدُ، مَنْ الَّذِي سَيَمْنَعُكَ
مِنِّي؟" قَالَ لَهُ: "اللهُ"، فَتَجَمَّدَ فِي مَكَانِهِ وَلَمْ يَسْتَطِعْ حَمْلَ السَّيْفِ، وَارْتَعَشَتْ يَدُهُ وَلَمْ يَعُدْ قَادِرًا عَلَى رَفْعِهَا. فَقَامَ النَّبِيُّ وَأَخَذَ السَّيْفَ مِنْ يَدِهِ وَقَالَ لَهُ: "وَمَنْ الَّذِي يَمْنَعُكَ مِنِّي؟" ثُمَّ تَرَكَهُ النَّبِيُّ، فَأَسْلَمَ الأَعْرَابِيُّ لِأَنَّهُ كَانَ يُرِيدُ. بلاغ الدعوة لأنه إنما بُعِثَ رحمة مهداة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.