سورة المائدة | ح 1020 | 67| تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

سورة المائدة | ح 1020 | 67| تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة - تفسير, سورة المائدة
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة المائدة يقول ربنا سبحانه وتعالى: "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك". وكلمة "ما أنزل إليك من ربك" تشمل الوحي المتلو والوحي المفسر. أما الوحي المتلو فهو القرآن الكريم وأما الوحي المفسر فهو السنة النبوية المشرفة والنبي صلى الله عليه وسلم علمنا أن القرآن من عند الله وأن مضمون السنة المحمدية المشرفة فيما نطق به رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند
الله وأيد الله كلام النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال "وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى" فكل ما خرج من فمه الشريف سواء أكان متلوًا كالقرآن الكريم أو كان منسوبًا إلى الله سبحانه وتعالى كالأحاديث القدسية التي يرويها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه أو كان صياغة ذلك من عنده يعبر بما فهم وبما تعلمه من الوحي فإن كل ذلك من الوحي، ولذلك عُصِمَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال: "اكتب، فوالله إني
لا أقول إلا حقاً". سأله بعضهم: "يا رسول الله، إنك بشر تغضب وترضى"، قال: "اكتب، فوالله لا أقول إلا حقاً". النبي صلى الله عليه وسلم في حالة غضبه وهو غضب ظاهري. من أجل انتهاك حرمات الله أو مخالفة لأوامر الله كان يغضب، لكنه من الداخل لا يغضب، بل هو من أهل التسليم والرضا على أعلى ما يكون التسليم والرضا. وكان يقول: "ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب".
وكان يقول: "لا تغضب"، فكرر الأعرابي عليه: "دلني على "شيء أفعله" قال لا تغضب فكررها عليه مرتين فقال لا تغضب وقال لآخر "لا تغضب ولك الجنة" فالنبي صلى الله عليه وسلم يغضب في ظاهر الأمر لانتهاك حرمة حرمات الله، لكنه في الحقيقة في التسليم والرضا. "بلّغ ما أنزل إليك من ربك"، إذن بلغ ما أُنزل إليك من ربك عندما تراها في القرآن تكون هي أوسع من القرآن من الكتاب لأن الكتاب جزء مما أنزله الله سبحانه وتعالى على نبيه، بل إنه آتاه
شيئاً آخر الكتاب كتاب يُبلّغ الكتاب ويفسر به كتاباً ويوضح به الكتاب ويبين الكتاب وهكذا، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "يأتي على الناس زمان يتكئ أحدهم أن يتكئ على أريكته ويقول: بيننا وبينكم كتاب الله، ما وجدنا فيه من حلال أحللناه وما وجدنا فيه من حرام حرمناه. ألا إني أوتيت القرآن معه" معه. وواضح أنه وفي رواية أخرى: "ومثليه معه" يعني أن السنة حجمها أكبر من
حجم القرآن، لأن المذكرة الإيضاحية والتفسيرية والتطبيقية تكون أوسع من الإعجاز في الإيجاز هذا، إيجاز في إعجاز. والثاني يشرح، فالذي يشرح هذا دائماً يكون أوسع. "إلا أني أوتيت القرآن ومثله معه"، وفي رواية أخرى "ومثليه معه". وكان الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه عندما يُعرض عليه قول القائل: "إذا أتاكم الحديث عني فاعرضوه على كتاب الله، فإن وجدتموه موافقاً..." فبها ونعم وإلا فهذا كلام من وضع الزنادقة، يعني النبي لم يقل هكذا. النبي قال ما قال الله: "وما آتاكم
الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا". فأين الذي آتانا وأين الذي نهى؟ السنة! "أطيعوا الله والرسول"، "أطيعوا الله وأطيعوا الرسول"، وهكذا. إذاً السنة مصدر للتشريع وهذا واضح. في قوله تعالى: "يا أيها الرسول بلِّغ ما أُنزل إليك من ربك"، وقال تعالى: "وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نُزِّل إليهم ولعلهم يتفكرون". إذاً، الذكر هنا هو السنة. انظر وانتبه جيداً للكلام: "وأنزلنا إليك الذكر" -
فقد نزل شيء - "لتبين للناس ما نُزِّل إليهم"، أي ما أنزله الله ما الذي هو القرآن فهذه أيضاً آية أطلقت كلمة الذكر على السنة، ولذلك عندما نأتي هناك في سورة الحجر ونقرأ "إنا نحن نزلنا الذكر"، سنقول إنه القرآن والسنة، "وإنا له لحافظون". حفظ سنته قرآنه القرآن، وأقام لهؤلاء رجالاً وأقام لهذا رجالاً، والنبي يقول: "تركت فيكم ما إن تتمسكوا به لن تضلوا بعدي أبداً: كتاب الله وسنتي" أخرجه أحمد. إذاً الحفظ والبلاغ متعلق بالكتاب وبالسنة. فهمت الأمة
هذا، وفهم بعض الناس ذلك في الكتاب فضلوا وأضلوا، ولذلك تجدهم كل حين يظهرون هكذا، يقولون لك: نحن قرآنيون. ما هؤلاء القرآنيون؟ كفى الله الشرع. يقول لك: إننا نأخذ القرآن دون السنة. هذا لا يصلح، لا يصلح هذا الكلام. السنة محفوظة مثلما القرآن محفوظ، ولذلك تجدهم ينامون ويقوم كل عشرين أو ثلاثين أو أربعين سنة هكذا شخص ويحدث ضجة، وعندما يموت معه الكلام لأنه غير مؤسس، ولأنه مخالف لكل آية في القرآن. الناس أهل الله وأهل القرآن امتزجت
آيات الله بدمائهم وبلحمهم ودمهم، ولذلك عاشوا معه، فهم نوَّر الله بصيرتهم فاستقر وشع في المسلمين. ذلك يأتي شخص ليقول قرآني القرآن" ويفعل ما يريد، والناس يتجاذبون معه قليلاً هكذا هو، وفي النهاية ماذا يحدث؟ لا شيء ولا أي شيء، ويذهب بموته. يموت معه هذا الكلام الهراء ويبقى الإسلام كما هو تتناقله الأجيال، ويبقى العلم كما هو، والحمد لله رب العالمين. وفي آخر الآية يقول: إن الله لا يهدي القوم الكافرين. إذاً فالذي يعتدي على رسول الله صلى الله عليه وسلم هو
من الكافرين، يعطل رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم هو من الكافرين والذي يعترض على دين رسول الله صلى الله. عليه وسلم هو من الكافرين والله لا يهدي القوم الكافرين وإلى لقاء آخر أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته