سورة المائدة | ح 1021 | 68| تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

سورة المائدة | ح 1021 | 68| تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة - تفسير, سورة المائدة
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة المائدة يقول ربنا سبحانه وتعالى: "قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم ولا يزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من" ربك طغياناً وكفراً فلا تأسَ على القوم الكافرين. أمر بالبلاغ. كلمة "قل" أيضاً من الكلمات التي تدل على أن القرآن من عند الله، يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم وليس من ذاته من الداخل. "قل" خارج
يخاطب داخلاً. "قل يا أهل الكتاب لستم على شيء" يعني الحصيلة صفر، لستم على. شيءٌ ما ليس لديكم شيء كهذا حتى تُقيموا التوراة والإنجيل، فقد أقرّ الإسلام بالتوراة وأقرّ بالإنجيل وبيّن أنهما من كتب الله للبشرية، وطلب من أهل الكتاب من اليهود والنصارى أن يتبعوا ما في التوراة وما في الإنجيل. هذا قمة الحوار إذا أردنا حواراً، وللجدال بالتي هي أحسن إذا أردناها أحسن أن تبحث عن. المشترك بين
المتحاورين هو التوراة والإنجيل، فالمسلم يؤمن بالتوراة والإنجيل، وأهل الكتاب يؤمنون بالتوراة وبالإنجيل. تعالوا إذاً ننفذ ما في التوراة وما في الإنجيل. وكان هذا هو أساس الجدل الديني خلال القرون. هناك جدل ديني واسع تم في مدرسة أنطاكيا في القرن الرابع الهجري، وهناك جدل واسع تم. بين علماء مصر والشام وبين قبرص هناك جدل ديني واسع تم في الأندلس وفي المغرب
العربي، وهناك جدل ديني واسع تم في الدولة العثمانية مع أوروبا. وكان هذا الجدل مبنياً على "هيا بنا ننطلق من التوراة والإنجيل"، فالمسلمون يصرون على أن التوراة والإنجيل قد ذُكِرت فيهما البشارة برسول الله صلى الله. عليه وسلم وأبحاث كثيرة تُثبت ذلك وإنكار كثيف من قبل أهل الكتاب حول هذه النقطة. يأتي لهم بالآيات، يقول له: انظر الآيات ها هي، فيها ذكر محمد
وفيها ذكر أحمد، وتلاعبت بها الترجمة، وعندما تُرجمت حُرفت عن مواضعها. والآخر يقول: لا، لم يتم هذا، ولذلك أنا غير مقتنع، لكن أمر الله. ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم، أمر الله هكذا سبحان الله. وكثير كثير من أهل الكتاب أسلموا ودخلوا الإسلام عبر العصور وفي كل مكان عندما اتضحت لهم هذه الحقائق، وكثير كثير لم تتضح له هذه الحقائق. إنك لا تهدي من أحببت من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء مع اختلافي
معه لا أستطيع أن أكرهه على شيء لأنه لا إكراه في الدين، ومع اختلافي معه أحبه ولا يحدث له أي شيء. ولم ينهنا الله سبحانه وتعالى عن الذين لم يقاتلونا في الدين ولم يخرجونا من ديارنا أن نبرهم وأن نودهم وأن نحبهم، ولكن الحق حق والحق واضح والباطل متلاطم. فحدث جدل ديني واسع عبر القرون، وكان سبب هذا الجدل الديني ونتيجته أن أسلم الناس ودخلوا في دين الله أفواجاً من طنجة إلى جاكرتا ومن غانا إلى فرغانة دون إكراه، ولذلك بعض المعاصرين يقول لك:
"لا، لابد أنه حصل إكراه". حسناً، متى حصل هذا الإكراه؟ في أي سنة؟ في أي سنة؟ المسلمون قتلوا غيرهم لأجل الإسلام في أي سنة؟ وما اسم تلك السنة؟ وما اسم المعركة؟ كل ذلك موجود في التاريخ. لم يحدث أن المسلمين هاجموا أحداً دون أن يُهاجَموا. لقد تعرض المسلمون للهجوم من الفرس والروم، ومن قبل ذلك من اليهود والمشركين، ومن بعد ذلك من المغول والصليبيين، ثم في فترة الاحتلالات الاستعمارية، وبعد ذلك في البوسنة. وفي الهرسك وفي الشيشان وفي غيرهما من المناطق، ظلوا يقاتلون عبر العصور وهم يُحاربون. أهلكوا مَن إن شاء الله؟ مَن الذي أفنوه؟ والله هناك أناس أهلكوا الهنود
الحمر، وهناك أناس أفنوا البوير والزولو في إفريقيا. أما نحن، فمَن أهلكنا؟ وهناك أناس مساكين اشتكى عبيدُهم لأنهم اختُطفوا، ونحن جعلنا عبيدنا هم الحكام. حكام يعني الشاب المملوك يجلبونه عبداً فيصبح هو الحاكم الأمير لماذا؟ لأنه يمتلك معرفة بالعسكرية، تربى في الطباق حيث كانت المدرسة الخاصة يسمونها الطباق. قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم. أيضاً يوجد توراة
وإنجيل وما أُنزل لأن. الأنبياء الذين بُعثوا في بني إسرائيل كانوا كثيرين ونزل عليهم علم كثير جداً، وكان الله يرسل عدة أنبياء في وقت واحد. وقد أخبرنا عن مجموعة من الأنبياء فتجد سليمان ابن داود، وتجد زكريا ويحيى، وتجد موسى وأخاه هارون، وتجد إبراهيم وابن أخيه لوط، وتجد أنه كان يرسل رسلاً كثيرين فأقام عليهم الحجة ولكن. يتأسّف على طائفة منهم يترصدون ويقول عنهم: "ولا يزيدنّ كثيراً منهم" يعني ليس كلهم كأصابع
اليد المتشابهة، "ولا يزيدنّ كثيراً منهم ما أُنزل إليك من ربك طغياناً وكفراً". الطغيان كما ذكرنا هو التجاوز عن الحد، والكفر هو أن يستمروا فيه، الاستمرار ثم الزيادة، وذلك لعدم الإنصاف، فلا تأسَ على القوم الكافرين. سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتألم لحال الكافرين، ويريد الهداية لكل الناس، ويريد لكل الناس أن يدخلوا الجنة، فهو لا يريد لأحد أن يدخل النار أبداً. فربنا سبحانه وتعالى يقول له: "هدئ من روعك"، لأنه رحمة
مطلقة، رحمة للعالمين. فكان ربنا يهدئ من روعه بهذا، "فلا تأس على القوم الكافرين". تذهب نفسك عليهم حسرةً، فلعلك باخعٌ نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفاً. هدِّئ بالك، اتركه، إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء. دعه إلى الله. كان كل ذلك تسليةً للرحيم محمد صلى الله عليه وسلم، لأنه كان يتفاعل بوجدانه مع الناس دائماً. هكذا الناس كلها تدخل الجنة، وملك الجبال يأتي ليقول له: أطبق عليهم الأخشبين وتخلص منهم. فيقول: لا، أرجو أن يخرج من أصلابهم من
يعبد الله. رحمة مطلقة، فاللهم صلِّ على سيدنا محمد، وإلى لقاء آخر. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
    سورة المائدة | ح 1021 | 68| تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة | نور الدين والدنيا