سورة المائدة | ح 1023 | 70 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة المائدة وعند قوله تعالى: "لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلًا" - ليس رسولًا واحدًا بل رسلًا بالجمع هكذا - "كلما جاءهم رسول" - كلما - كلما هذه ما كلما لما واحد يعطي لزوجته مثلاً حق التطليق ويقول
لها طلقي نفسك متى شئت يعني في الوقت الذي ترينه، فذهبت وتضايقت منه وطلقت نفسها، فأراد أن يراجعها فراجعها، يصبح قد ضاعت عليها الفرصة لأنه يقول لها متى شئتِ، أي في الوقت الذي تريدينه، فقد انتهت، خلصت الفرصة ورجعت. ثانية واحتُسِبَت طلقة، يبقى ما زالت زوجته واحتُسِبَت عليهم طلقة من الثلاث. تعال الآن، اليوم لو أنه قال لها: "طلِّقي نفسك كلما شئتِ"، تختلف هنا عبارة "كلما
شئتِ". هي لا تطيقه فقالت له: "خلاص سننفصل" وأوقعت الانفصال، طلَّقت نفسها فأرجعها، فلها أن تطلق نفسها مرة ثانية لأن... وما لها كلمة "كلما"؟ "كلما" تفيد مرة بعد مرة بعد مرة، فرجح وضع عليهم اثنين الآن، فهي ما زالت مصممة وخلاص أنهت الأمر منه وطلقت نفسها مرة ثالثة. خلاص، يقولون الثالثة ثابتة. الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان. انتهت. المقصود أن "كلما" تفيد الاستمرار، ومتى لا تفيد؟ عندما تكون
انتبهي للدقة مع امرأة تأتي وتشتكي وتقول: حسناً، وما فائدة هذا الشرط؟ ما معناه؟ فنقول: لا، انتبهي لأنه عندما يحدث، تودين أن يستمر الشرط، فماذا أقول؟ "كلما". لكن إذا كنتِ تريدين مرة واحدة فتقولين "متى". وكل شخص له ظروفه، وكل شخص يأخذ الأمر الذي يريحه. فكلمة "كلما" تفيد. التكرار. لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل، والميثاق عهد وثيق، يعني عهد مشدد، يعني عهد مركب، عهد الله بيني وبينك، يعني أخذت عهد الله عليك ها هو، وبعد ذلك ماذا
يعني وثقناه أيضاً؟ أصبح عهداً وثيقاً، فالميثاق العهد الوثيق شيء شديد جداً، يعني إذا خانت وأخلفت العهد يكون حراماً، بل إن صلى الله عليه وسلم جعل مخالفة هذا العهد وإخلافه علامة من علامات النفاق، "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا اؤتمن خان، وإذا عاهد غدر"، وفي رواية أخرى: "آية المنافق أربعة" وزاد عليهم "وإذا خاصم فجر". إذن لدينا ثلاث علامات وأربع علامات أيضاً، وفيهم "إذا عاهد غدر".
هذه من علامات النفاق، فما بالك لو أن هذا الإنسان خالف الميثاق؟ فإذا خالف العهد الوثيق - وهو عهد شديد - تكون المخالفة أنكى وأمر وأشد وأكثر بلاءً. لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل، والعهد واضح، والتوراة واضحة في دعوتها للخير. أكد الله الكتاب بالرسل تترى، أي متتابعة ومستمرة. نبي وراء نبي، رسول وراء رسول، وأرسلنا
إليهم رسلاً. يعني إذا كان هناك بيانان: بيان بإظهار المبادئ الذي هو الكتاب الذي هو التوراة الذي هو نور وبيان، بتعليم المعلم، فإن الكتاب والمعلم هما أركان العلم. انتهت أركان العلم: الأستاذ الذي هو الرسول، والكتاب، والطالب، والجو العلمي الذي هو الإيمان. موجود والكتاب موجود والمعلم موجود وأنتم موجودون، فإذا حصل خلل في العملية التعليمية، فإلى من يرجع الخلل؟ أنتم.
"لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلاً". حسناً، اكتملت العملية التعليمية. "كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقاً كذبوا وفريقاً يقتلون". هذا هو الطالب الراسب. أصبح الطالب الراسب يقتل الأنبياء الخائب كذب بالأنبياء؛ فريقًا كذبوا وفريقًا يقتلون. كما وصل بهم الحال إلى أنهم اغتالوا سيدنا يحيى فقتلوه. وصل بهم الحال إلى
أنهم قتلوا أنبياءهم وأفسدوا في الأرض غاية الفساد. تخيل أن التلميذ يقتل أستاذه، يعني لو هذا التلميذ قتل شخصًا غير أستاذه لكانت مصيبة وجريمة وبلية تستحق الخلود في النار فعندما يكون هذا الأستاذ، وعندما يكون القتيل أستاذه، تكون فيها نذالة وخسة وخيانة وكفر. فيحذرنا الله سبحانه وتعالى من أن نسير على نهج هؤلاء الذين نقضوا الميثاق، وينبهنا إلى أنهم في غضب الله، وعليه فلا بد أن نعود إلى أنفسنا ونطلب الهداية من هذه الآية ونصمم.
إننا نستقيم على ميثاق الله، فنحن عندنا ميثاق أيضاً وعهد كذلك. فتمسك أيها المسلم بعهد ربك، فقد عاهدك على الإيمان بأركانه الستة، وعاهدك على الإسلام بأركانه الخمسة، وعاهدك على الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فهو يراك. عاهدك على ذلك فدم عليه، فإن الله لا يحب. إلى من خالف ميثاقه وإلى لقاء آخر، نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله