سورة المائدة | ح 1025 | 72 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة المائدة يحكي لنا ربنا سبحانه وتعالى فيقول: "لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك". بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار. يُعلِّم الله البشرية أنه واحد أحد فرد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد. هو واحد
في ذاته وأحد في صفاته سبحان الله، وأن أحداً من البشر لا يمكن أن يتحد به ولا يمكن. أن يحل سبحانه وتعالى فيه في هذا البشر فالحلول والاتحاد ممنوعان، فالرب رب والعبد عبد، وهناك فارق بين المخلوق والخالق. ومن عرف ربه بالقدم عرف نفسه بالحدوث والعجز والعدم، ومن عرف ربه بالبقاء عرف نفسه بالفناء، ومن عرف ربه الأول الآخر
عرف نفسه الحادث الميت، ومن عرف ربه سبحانه وتعالى. عرَّف نفسه: لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد. المتألهون عبر التاريخ كثيرون، منهم من ادَّعوا الألوهية إما عن خلل في عقولهم وإما عن طغيان وبغي مثل فرعون ومثل النمرود. ومثل
الحاكم بأمر الله الفاطمي ومثل فلان وعلان عبر التاريخ هناك متألهون ادّعوا الألوهية، وقال فرعون: "أنا ربكم الأعلى" هكذا بالتصريح الواضح، وهناك من لم يدّعِ الألوهية ومنهم سيدنا عيسى وسيدنا عزير، فقد كانوا أنبياء أتقياء وكانوا من المصطفين الأخيار. سيدنا عيسى هذا أمر آخر، إنه من قول... العزم من الرسل بعد سيدنا محمد مباشرة عند المسلمين، هكذا هو سيدنا محمد فيما
أخرجه البخاري؛ يأتيه الخلق يوم القيامة بعدما ذهبوا إلى آدم وإبراهيم وموسى وعيسى، وكلهم، كل واحد منهم يعتذر عن الشفاعة العظمى لشيء بينه وبين الله، ولما جاء الأمر إلى سيدنا عيسى قال اذهبوا. إلى محمد من غير أن يذكر شيئاً يمنعه من الشفاعة العظمى، يعني سيدنا آدم اعتذر بالمعصية التي تتعلق بالأكل، وسيدنا نوح اعتذر بسؤاله عن ابنه، وسيدنا إبراهيم اعتذر عن كذبات ثلاث، وسيدنا موسى اعتذر عن الشخص الذي قتله. أما سيدنا عيسى ماذا فعل؟
نقي تماماً، مخلص، لم يرتكب ذنباً قط، أنه عندما وُلِد لم يستهل صارخاً، فكل مولود عندما يولد تجده يصرخ لكي يستنشق الهواء، لأن رئتيه مكتومة في الداخل. هو كان يتنفس عبر الحبل السري، فعندما يخرج إلى الهواء يصرخ، ويسمون هذه الصرخة "استهل صارخاً". يقولون إن أصل هذا أن الشيطان متغيظ. منه فيغذيه هكذا، يقول لك: "ولم يستهل عيسى صارخاً"، يعني كان الشيطان ليس له عليه سبيل، شيء من عند الله. هذا تعظيم المسلمين لسيدنا عيسى، وقد
سماه القرآن المسيح لأنه كان ملكاً لبني إسرائيل، وكلمة المسيح معناها الملك. ولكن القرآن جاء وبنى عقيدة الحق على نفي الحلول والاتحاد، فليس هناك من البشر قد اتحد به الله أو حل فيه سواء بالطبيعة الواحدة أو بالطبيعتين أو بالإشعاع الرابط أو بأي حال من هذه الأحوال، وهذا انحراف عن جادة الإيمان والتوحيد. ومن يعتقد
في المسيح أنه هو الله أو أنه ابن لله ليس بالمعنى المجازي، فكلنا أبناء الله، وإنما بالمعنى النسبي. فقد كفر بالإيمان الذي يريده الله للخلاص يوم القيامة وانحرف بهذا الكفر عن جادة الصواب. لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم. ولم يصرح ربنا باسم امرأة قط في القرآن إلا بالسيدة مريم الصديقة. قالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله. هذا الكلام ممنوع. عذير لم يقل ولا سيدنا
المسيح قال لا في كتبنا ولا في كتبهم، ولذلك عندما نناقش الناس في العالم فيقولون: "لا، أنتم لديكم فكرة خاطئة عنا، نحن لا نعبد المسيح". نقول لهم: "حسناً، إذن نحن أخذنا فكرة خاطئة، لكن على فكرة: لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح". قال ابن مريم: "لا، ولكن هذه مسائل فلسفية لا نستطيع شرحها". فقلنا له: "حسناً، ليكن الله هو الأحد الواحد الأحد، ولكن على فكرة {لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم}، وقد أظهر الاسم الشريف للسيدة مريم حتى ينفي
عن نفسه أنه زوج لها كما كانت تعتقد العرب مريم تكون متزوجة؟ ربنا لا، ليس هناك شيء مثل هذا، لأن العرب كانت لا تذكر على الملأ أسماء نسائها، فعندما ذُكرت مريم مباشرة، العربي يقول: لا، ليس ممكناً. بالتأكيد هو جاء يخاطب أيضاً جماعة جاهلية وأخرجهم من الظلمات إلى النور بمثل هذه اللطائف والطرائف اللغوية التي خاطبت وجدانهم. وخاطبت أحوالهم وقال المسيح: "يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم". وهذه العبارة "اعبدوا الله ربي وربكم" موجودة في الإنجيل. "أبونا الذي في السماء"، "أبانا
الذي في السماء"، "أبوكم الذي في السماء" وردت كثيراً جداً، ولم يقل السيد المسيح عن نفسه إنه الله، إذ إن من يشرك بالله فقد حرم ومأواه النار وما للظالمين من أنصار وإلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.