سورة المائدة | ح 1032 | 78 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ والصلاةُ والسلامُ على سيدنا رسولِ اللهِ وآلهِ وصحبهِ ومن والاهُ. مع كتابِ اللهِ وفي سورةِ المائدةِ يقولُ ربُّنا سبحانهُ وتعالى: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ﴾. اللعنةُ هي البُعدُ عن رحمةِ اللهِ، واللعنةُ نزولُ... غضب الله على الشخص أو العبد أو الطائفة أو المذهب أو الجماعة، ومن هؤلاء
صفتهم بأنهم لُعِنوا. فاللاعن هو الله وملائكته والمؤمنون. "لُعِن" فعل مبني للمجهول، من هو هذا المجهول؟ مبني يعني للمفعول، أي أن هناك فاعلاً لكن الفاعل لم يُذكر، فالمفعول أصبح نائب فاعل. لُعِن، نعم. من هم إذن أصلاً؟ الله. والملائكة والناس والمؤمنون، هذه هي اللعنة. فبدلاً من أن يطول الكلام، قام بإخفائه اختصاراً لكي تعرف أن الفاعل يمكن أن تقدّره بلفظ الجلالة، ويمكن أن تقدّره بالملائكة، ويمكن أن تقدّره بالناس، ويمكن أن تقدّره بالمؤمنين،
وبعد المؤمنين يمكن أن تقدّره بالأنبياء مثلاً لأنهم من المؤمنين. لُعِنَ الذين كفروا، وهذا إنصاف يعلّمنا. الله في كل آية الإنصاف، ما قال لعن بنو إسرائيل، بل لعن الذين كفروا من بني إسرائيل. من أنواع الشغب هذا يعلمنا القرآن الإنصاف، ويعلمنا بعضهم فن الاختلاف، كيف تشغب على من حولك، كيف تكون غوغائياً. قوم يقولون لك: انظر القرآن يشتم، نعم، فيصبح هذا غوغائية، أهو
أنت. بعيداً عن شر الذين كفروا، إذا كنت من الذين كفروا فأنت ملعون على لسان داود وعيسى، وإن لم تكن من الذين كفروا، فهو يقول لك: لُعِن الذين كفروا من بني إسرائيل. بعض الناس يحولونها إلى لعنة بني إسرائيل. هذا الشغب مستمر إلى يومنا هذا وتمتلئ به الصحافة. تقول جملة يحذف منها كلمة، وهذه الكلمة تكون "لا"، فيصبح المنفي مثبتاً. يحذف منها كلمة فينعكس الكلام: "لا تقربوا الصلاة" ويحذف "وأنتم سكارى"
ويقول لك: انظر ماذا يقولون وماذا يفعلون. وهكذا تلبيس وتدليس. "لُعِنَ الذين كفروا من بني إسرائيل". يقول لك: "وشهد شاهد من أهلها"، الشاهد الذي... من أهلها يتميز بماذا؟ يتميز بأمور منها أنه أقرب الناس للمعرفة الصحيحة، هذا واحد منهم من الداخل، ومنها أنه غير متهم، لا أحد سيقول إنه متحيز، ومنها أنه كان الأولى له أن يشهد لهم لا عليهم، فالإنسان لا يشهد على نفسه، فإذا كانت هناك شهادة على النفس فإن... إقرار ويبقى اعتراف، ولذلك
كانت الشهادة عندما تأتي من الداخل أقوى مما لو جاءت من الخارج، لأن الخارج وإن كان صادقاً فإنه يقول له: أنت لا تعرف، أو يقول له: أنت متحيز، أو يقول له: شهادتك خاطئة، وهكذا. فلعن الذين كفروا من بني إسرائيل ليس على لسان محمد، لا على... لُعِنَ الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم. أول الخيط كان بعد دخولهم للأرض المقدسة، وآخر الخيط كان داود وعيسى، فيكون الأول والآخر.
أي أنكم لُعِنتم يا الذين كفروا من بني إسرائيل. نقولها الآن: ومَن هم الذين كفروا من بني إسرائيل؟ لقد فُتِحَت خمسة معابد لعبادة الأوثان. هذا واضح وصريح عندهم، هم الذين يقولون ذلك، فاستحقوا اللعن. واشربوا العجلة في قلوبهم، غير قادرين على التخلص من عبادة العجل. ما شأنك أيها الرجل المعاصر الذي يقول: "أنا لست كافراً"، وكل شيء. ربنا ينعى ويحكي ويبين موعظة تشوش علي لأنه رجل غير متدين. إن الذي يقول هذا الكلام هو رجل سياسي يتلاعب، ونحن لا نحب التلاعب ولا... نحن نلعب، نحن أتباع ربنا، نرى
الحق ونريد أن نصل إلى الحق لأننا نريد أن ندخل الجنة يوم القيامة. فما الذي يجعلنا نكذب؟ ليس لدينا مصلحة في أن نكذب، وليس هناك وعد من الله أننا إذا كذبنا سيدخلنا الجنة، بل على العكس، فهو يقول: "ثم انظر". أنى يؤفكون ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون. شيئان: العصيان والعدوان، والحمد لله إلى الآن موجود في طائفة هذا العصيان وهذا العدوان. عصيان لأنه مخالف لأوامر الله كما
ذُكر لنا في سورة البقرة مخالفات تلو مخالفات تلو مخالفات لبني إسرائيل حتى قال موسى لسيدنا محمد عندما التقيا في السماء. في ليلة الإسراء والمعراج، لقد ابتُليت بالناس قبلك، فما هو شاهد عجائب وغرائب من بني إسرائيل. لقد ابتُليت بالناس قبلك، فهناك عصيان وعصيان مستمر، وهناك الآخرون والعدوان على الآخرين نراه في فلسطين دائماً يُهدر، ثم بعد ذلك لا محاسب
ولا مراقب، ويجعلون من الحسنة سيئة ومن السيئة حسنة، ويقلبون الحقائق. عصيان وطغيان وعدوان وما زالت ذلك مستنيراً. يتعجب الإنسان من حلاوة القرآن وطلاوته وإعجازه في إيجازه، أن يجعل كل ذلك القصص يرجع بنا إلى البلاء الحاصل فينا إلى يوم الناس هذا بعد ألف وأربع مائة سنة، وتعرض هذه الطائفة إلى الإبادات الجماعية والفردية والتضييق عليهم، ومع ذلك ما زالوا موجودين، وهذا يدل على. أن ذلك الكتاب من عند ربنا لأنه يعرفهم
إلا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير. وإلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.