سورة المائدة | ح 1034 | 80 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

سورة المائدة | ح 1034 | 80 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة - تفسير, سورة المائدة
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة المائدة يقول ربنا سبحانه وتعالى: "ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون". هناك ممن آمن بالله وآمن... برسله وآمن بكتبه يفضلون الكافرين على إخوانهم المؤمنين ظانين
أن الصلاح أن يتفقوا مع الكافرين على المؤمنين وكان هذا حال بعض أهل الكتاب عند النبي صلى الله عليه وسلم فقد اتفقوا مع المشركين ضد المسلمين الذين يؤمنون بالله ويؤمنون باليوم الآخر ويؤمنون بالكتب السابقة ويؤمنون بالأنبياء ويعظمونه ويوقرونه وينصرونه ويؤكدون شرع الله أمره ونهيه وبالرغم من كل ذلك وكان أولى بهؤلاء أن ينحازوا إلى المسلمين كما انحاز الإسلام إلى أهل الكتاب ولكن رأيناهم يقفون
مع المشركين ولقد ثبت من الأبحاث أن اليهود في خيبر قد اتفقوا مع المشركين في مكة على أن يقضوا على المسلمين في المدينة بهجوم مفاجئ مشترك. من الشمال فخيبر شمال المدينة ومن الجنوب فمكة جنوب المدينة، يطبقون عليهم من فوق ومن تحت وتنتهي الدعوة ويُذبح المسلمون ويُصفَّون جسدياً. والتصفية الجسدية ما زالت الشغل الشاغل لأفكار المدمرين الفاشيين النازيين بأدبيات العصر. هناك
أقوام لا يتصورون الشيء إلا بالإبادات الجماعية، أراد هؤلاء أن يفعلوا هكذا بالإسلام ولكن الله. سبحانه وتعالى هو الذي أرسل رسوله وهو الذي نصر عبده وهو الذي أعز جنده وهو الذي هزم الأحزاب وحده وهو الذي أوحى للنبي صلى الله عليه وسلم كيفية المواءمة بين المبادئ فلا يتركها وبين المصالح فلا يقدحها وهذا هو الأمر الذي دعا النبي صلى الله عليه وسلم في الحديبية وقد ذهب معلناً أنه لم يأتِ إلا لعمرة للبيت الحرام الذي يشترك
الجميع في تقديسه، فالمشركون يقدسون البيت الحرام ويرون أنه مقدس من أيام أبيهم إبراهيم ويعظمونه حتى أنهم كانوا يعبدون الأوثان فيه وحوله، ونصبوا حوله نحو ثلاثمائة وستين صنماً. وعلى الرغم من ذلك لم يصد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن يسعى بالعمرة إلى الكعبة ثم إنهم منعوه وأرسلوا إليه أقواماً آخرهم سهيل بن عمرو يفاوضونه وأرسل إليهم عثمان بن عفان ليفاوضوا على أننا ندخل البيت الحرام ونطوف ونحن في حالة الإحرام
وصدكم عن البيت الحرام من الأمور المرفوضة عند العرب وعند الناس ونحن ندخل أسلحتنا في جرّبتها وليست على هيئة مستعد للحرب والقتال، إلا أن عماية الشرك أعمته. فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: "ماذا تريدون؟" إذ هو شعر بهذا الاتفاق الخبيث ما بين خيبر ومكة كفكّي كماشة، فأراد أن يفك هذه الكماشة. إذاً فهو يدرّب
أذهاننا على المفاوضة وعلى الحيل العسكرية وعلى رسم الاستراتيجيات وعلى... أنه أثناء التفاوض يمكن أن نقرر مبدأ "خذ وطالب" والتدرج في المسائل، وأنه إذا لم تستطع شيئًا فدعه وتجاوزه إلى ما تستطيعه. فجلس النبي صلى الله عليه وسلم ونظر إلى المستقبل، وجاء سهيل بن عمرو وقال: "أبدًا لا تدخلوا أبدًا، فتتحدث العرب أنك قد هزمتنا أو أرغمتنا أو لويت ذراعنا" يعني. باللغة الحديثة ماذا تريد؟ قال: نكتب بيننا وبينك معاهدة أنك ترجع هذا
العام وتعود بعد ذلك في العام القادم بتصريح منا وإذن نعطيك إياه. الله، هذا رجل مخيف! هذا سيدنا عمر طوله ثلاثة أمتار. لا أعرف هل هو الكلام هذا يريد أن يضربه؟ سيدنا رسول الله يعلم عمر ويعلم الأمة من بعده. كيفية المفاوضات، قالوا: نكتب هذه المكاتبة، ومن الذي يكتب؟ سيدنا علي. تعال يا علي، فكتب: "بسم الله الرحمن الرحيم". منور
القلب "بسم الله الرحمن الرحيم". قال: ما الرحمن؟ وما الرحيم؟ أنا أعرف الرحمن الرحيم. اكتب: "باسمك اللهم". ولذلك عمله مثل شعبة. قال له: يا رب علمني التفاؤل. قال له: يا... ابني تعال في الهيئة وصلِّ باسمك اللهم، بسم الله الرحمن الرحيم، ليست هي هذه القضية، القضية أن يفك الكماشة. قال له ما هو ماحٍ علي وكتب له باسمك اللهم، لم ينتبه وقتًا آخر إلى أنه يصبح هذا ليس هو الأساس. أصبح أيضًا ينتبه لكل كلمة لأنها على هواه. هذا ما عاهد عليه محمد بن عبد الله رسول الله، هذا ما عاهد عليه
محمد رسول الله سهيل بن عمرو. قال له: "ما نعرفك رسول الله، ولو كنتَ رسول الله ما اختلفنا". قال له: "امحُ يا علي واكتب: هذا ما عاهد محمد بن عبد الله" بدون "رسول الله". فسيدنا علي... قال له: "لا، لست سأمحو، لن أمحو رسول الله أبداً، لا أمحوها بيدي أبداً". حسناً، فأخذ الكتاب منه فمحاها بريقه الشريف. يعني ماذا يقول لنا؟ إن هناك أشياء أهم من أشياء أخرى. هل يوجد أحد منا يرضى أن نمحو اسم رسول الله هكذا أبداً؟ يعني سيدنا علي قدّم الأدب على... الطاعة
وقبلها منه النبي ولكنه يعلمنا أننا لا نقف عند أمور تعطلنا عن الغاية مهما كانت مهمة. وكُتب في هذه الورقة أنه إذا جاء الرجل من مكة مسلماً فيجب على الدولة المسلمة في المدينة أن ترده إلى مكة. ما هذا؟ هذا ذل. وإذا جاء الرجل من المدينة إلى مكة مشركاً مرتداً عن الإسلام فإن
محمداً وحكومته لا تسأل عنه، خلاص. قال له: حسناً. قال: الله! كيف؟ قال له: هكذا، حسناً. فقال عمر: يا رسول الله، لم نقبل الدنية في ديننا، أَلا يرى لنا حلاً؟ دعنا نجعلها معركة الآن. قال له: اسكت يا عمر. إلى لقاء آخر. نكمل هذه القصة التي علّمنا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف نفكر، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.