سورة المائدة | ح 1036 | 80 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

سورة المائدة | ح 1036 | 80 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة - تفسير, سورة المائدة
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة المائدة وعند قوله تعالى: "ترى كثيراً منهم" وليس كلهم، في كل آية يعلمنا الإنصاف وأن التعميم هو طريق الشغب وطريق عقلية الخرافة، وأن الوصف الدقيق هو طريق العلم وهو... منهج العلم ترى كثيراً منهم الإنصاف والعدل يتولون الذين كفروا وبعضهم
لا يفعل ذلك، بل إنهم يقفون ويفرحون بالمسلمين ولا يقفون مع الكافرين. وكان من هذا الصنف النجاشي، فإنه استقبل المسلمين استقبالاً حسناً، وذهب عمرو بن العاص قبل إسلامه ليثني النجاشي عن نصرة المسلمين وعن إيوائهم عنده في الحبشة وقال. له أنهم يقولون في مريم قولاً عظيماً، يريد أن يوقع بين النجاشي وبين المسلمين. المسلمون ثمانون شخصاً، وقصتهم في
الحبشة تحتاج إلى وقفة ودرس. فأتى بالمسلمين: "أأنتم حقاً تسبون سيدنا عيسى وحقاً تسبون السيدة الكريمة الشريفة مريم؟" فتلوا عليه صدر سورة مريم: "كهيعص، ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ". عبده زكريا إلى آخر "واذكر في الكتاب مريم" وقصة سيدنا عيسى فبكى، وكان معه عمود يلعب به هكذا دائماً. كان الملوك يكون معهم أعواد هكذا يلعبون بها في الأرض، فخط خطاً وقال: "والله لا فرق بين ما تلوت وبين الإنجيل إلا هذا الخط". يعني هو وإياه
عملة واحدة. ماذا؟ يا سيد عمرو بن العاص ماذا تريد؟ لن أسلمك هؤلاء الناس، إنهم أناس مؤمنة وكذا، وهو لم يُسلم بعد ولا شيء. بعد ذلك بسنوات عندما درس وتعمق في الدراسة أسلم والنبي لا يزال في مكة في ذلك الوقت. ترى كثيراً منهم، نعم ليسوا كلهم إذا كان لا بد. علينا أن نتعلم الإنصاف، فلا نقول إن الغرب ضدنا. كيف يكون الغرب ضدنا وفيهم من يدافع عنك ويؤلف من أجلك ويعيش - يا للأسف - تحت ضغوط من كل جانب وهو يكافح ويناضل من أجلك؟ فكيف تقول ذلك؟ قل
إن كثيرًا من الغرب ضدنا. نعم، هكذا قل. إذا أردت أن تقول ذلك، فقله. هكذا كثير منهم ضدنا، كثير منهم لا يحبوننا. مثلاً يعني حتى لا تقل أكثرهم، لأنك لو ذهبت ونظرت ستجد أكثرهم لا يضعوننا في الخريطة أبداً عندهم، ولا يسمعون بنا، ولا يريدون، مشغولون بأعمالهم وانتهى الأمر. حسناً، هؤلاء أكثرهم، وهناك أناس كثيرون عندهم عداء. نعم، فلنقل كثير منهم وهناك أناس. هم معك ويقفون معك فلا بد أنك أيضاً تستغلهم وأنك أنت تأخذ هؤلاء ضد هؤلاء، الحكمة هكذا. ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا. الولاء
يأتي أولاً بالانجذاب والحب، هؤلاء الناس يحبونهم، ثم بالتقليد الأعمى للأفكار، للمناهج، للأدوات، للرؤى، للرسالة، للهدف، للنموذج الذي يعيشون فيه. هو مسرور من ذلك. ما الذي يفعله تقليد الكافرين في الإنسان يقضي على قدرة الإبداع. أول شيء، أول مصيبة أنه يجعلك تابعاً لنظام أنت لا تفهمه جيداً ولا تستوعبه تماماً. المصيبة الثانية أنه يجعلك غير قادر
على الابتكار والإبداع والعطاء والتفكير المستقيم، ولذلك يضيع علينا الخير الكثير من ناحية الأنظمة التي قلدناها ولم نستوعبها، فنحتاج دائماً. اللهم حتى يشرحوا لنا القضية الثانية أن العقل يركض ولا يستطيع أن يبتكر شيئًا جديدًا ويضيف للإنسانية وللمجتمع الذي ينتظره شيئًا جديدًا، ومن هنا كان هذا. ترى كثيرًا منهم يتولون الذين كفروا كأنه أيضًا، وهو ينعي عليهم هذا،
فهو يحذرنا من أن نقع في مثله. لماذا؟ لماذا لا نتولى الذين... كفروا التولي الذي معناه التقليد، وحينئذ سنحتاج إليهم فيكونون لنا سادة ونحن لهم عبيد. والمصيبة الأكبر أنه يقتل قدرة التفكير بنمطنا وبأسلوبنا لعمارة الدنيا. ومن أجل ذلك تفقد البشرية كل هذه الأذهان، وتتحول من أذهان قابلة للإبداع إلى أذهان تابعة مقلدة، لأنها أصبحت في كنف أولئك من نجاحات موهومة أو محققة.
ارتأوها ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا، لبئس ما قدمت لهم أنفسهم، هذا طريق معوج أن تجعل نفسك منضوياً تحت الآخر الكافر، وأن تفقد قدرة الإبداع، أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون. السخط حدث في الدنيا بذل مشاهد وترك لمقام الشهادة والعطاء، والعذاب في الآخرة جاء من أن... هذا ذنب عظيم، وإلى لقاء آخر. أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.