سورة المائدة | ح 1039 | 83 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

سورة المائدة | ح 1039 | 83 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة - تفسير, سورة المائدة
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة المائدة يقول ربنا سبحانه وتعالى في شأن النصارى الذين قد وصفهم ربهم بأنهم أقرب الناس إلى المؤمنين مودة، قال تعالى: "ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا". نصارى وسبب وعلل ذلك فقال ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون، وإذا
سمعوا ما أُنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق، يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين. هذا صنف آخر من دائرة من هم أقرب إلى المؤمنين مودة، ولذلك نرى حكمة أن جعل. الله هذه آية وهذه آية أخرى، فهناك آية وهذه الآيات توقيفية من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي علمنا أن هذه آية تقف عند "وأنهم لا يستكبرون"، تمت الآية. ثم
هناك آية أخرى واجب علينا أيضاً ونحن نفهم كلام الله أن نراعي فواصله، الفواصل يعني من ضمنها آية. الآيات وأن نراعي وقوفه وبدءه، لا بد أن نراعي أين نقف وأين نبدأ. فمن ضمن الفواصل هنا هذا الفاصل، لا بد أنه لحكمة، والحكمة هي حكمة الدوائر المتداخلة أو حكمة أن هناك فئة من داخل فئة. فالفئة الأولى لا ترى غضاضة بعدما شعرت بحلاوة العبادة، وبعدما شعرت بحلاوة التواضع، أن ودّ بينها وبين
المسلمين طائفة منها تزيد على ذلك بصفة أخرى. هذه الطائفة إذا سمعت كلام الله سبحانه وتعالى ترى أعينهم تفيض من الدمع. يكون هناك تفاعل مع الكتاب، هناك استجابة، هناك فهم صحيح لكلام الله سبحانه وتعالى. وهذا الذي يجعل الإنسان يتفاعل ويستجيب ويسمع بصورة صحيحة، فتفيض عيناه من. الدمعُ ويشعرُ بدنُه مما عرفَ من الحق. إذا
هؤلاء الطائفةُ أثَّرتْ فيهم العبادةُ وأثَّرَ فيهم الذكرُ وأثَّرَ فيهم التخلُّقُ وأثَّرَ فيهم حبُّ الله سبحانه وتعالى، فعندما يعرفون الحقَّ يبادرون إليه من غير التفاتٍ إلى دنيا ولا إلى هوى ولا إلى تعصُّبٍ ولا إلى غير ذلك. وكلمة "إذا" هي في الحقيقة... للعموم في لغة العرب، وإذا سمعوا، يعني كلما سمعوا. "إذا" معناها العموم، سمعوا يعني في أي مكان، سمعوا يعني أي آية، سمعوا يعني أي معنى
في كتاب الله، سمعوا يعني في كل زمان. حينئذٍ كلمة "إذا" هي للعموم، كلمة "إذا" التي هي للعموم معناها معنى هنا "وإذا سمعوا ما أنزل". إلى الرسول يعني لا يفرقون بين آية وآية إنما يؤمنون بالكتاب كله، والله تعالى ينعى على من يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض: ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ إذا من هذا الموقف لأن "إذا"
تفيد العموم، والعموم معناه إما أن يكون عموم الزمان أو عموم المكان أو عموم الأحوال أو عموم الأشخاص، وهي صادقة هنا بكل ذلك العموم، ولذلك فهم يؤمنون بكل الحق وليس ببعض الحق. ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق الثابت، والحق لا يتغير. لأن وجهه وجه واحد يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين مباشرة. العابد يلتجئ إلى ربه، الدعاء حاضر عنده دائماً. بمجرد أن يأتي، ربنا يدلك على أن قلوبهم حاضرة وأنهم ليسوا
من أصحاب الغفلة، وإنما هم من أصحاب القلوب الحاضرة التي جعلتهم في استحضارهم هذا يؤمنون ويبكون ولا يتفرقون. ولا يتحيزون فاكتبنا مع الشاهدين الذين شهدوا أيضًا بالحق وشهدوا بالنبوة المحمدية الباهرة، ولم يقفوا عائقًا بين الخالق وخلقه، ولا بين الدعوة التي أنزلها وبين الناس. وإلى لقاء آخر، نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.