سورة المائدة | ح 1045 |89| تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة المائدة وعند قوله تعالى، وهو يخفف على الأمة مع التأكيد على التزامها، فالملتزم ينبغي أن يفعل التزامه بلا تكلف ولا مشقة، وذلك عندما يطيع الله سبحانه وتعالى بالحب. يقول: يقول الله تعالى: "لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم"، فاليمين إذا جرى على اللسان على سبيل
التبرك أو على سبيل التعود أو على سبيل سبق اللسان أو على سبيل العادة، فإن الله سبحانه وتعالى لا يؤاخذك به. فقد جرى على الألسنة أن يقول الشخص للآخر: "تفضل، تفضل شاياً"، وليلاً يقول: لأنه حلف بالله وأقسم به مما يرتب حرجاً على السامع وحرجاً على المتكلم، فإن بر الأخ لأخيه أن يبر قسمه، فيجب عليك
حينئذٍ أن تلبي. افترض أنك لست متفرغاً وتسير في الطريق وذاهب إلى عملك وهذه وظيفتك، ووصل الحال ببعضهم أيضاً إلى أنه يقول له: "لا والله، إنني مشغول". يكون عندما يقول له: والله تفضل، والآخر يقول له: لا والله، إنني مشغول. وكان لفظ الجلالة هنا قد ذُكر في كلامهم تبرّكاً وليس بغرض عقد اليمين، فهو لا يعني الإلزام، بل يعني شيئاً فيه ودّ بين الناس. وكان مشايخنا من أجل تفهيم الناس هذا الكلام وإن كان هو... في ذاته يعني
هو مفهوم بسيط مفهوم، لكنهم كانوا يحبون التفهيم الزائد فيقولون: "لا، هذا عامل مثل من؟ الأكل يا من؟" الأكل كان شخصاً يقول لصاحبه: "والله إنك أنت أكلت هذه اللقمة"، فيقوم ويقول: "لا والله، هذا ليس صحيحاً"، أهو هذا قال: "والله"، وهذا قال: "والله"، ولكن يبدو من... تتبع اللغة وعرف الناس وعدتهم أن هذا كان على سبيل التبرك بلفظ الله سبحانه وتعالى أنه على الألسنة وفي الحضور وأنه ليس على سبيل الإلزام والحد، وربنا يخفف عن الناس فيقول: "لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم"، يعني اليمين الذي ذُكر عَرَضاً من غير عقد القلب
والنية والعزم والإلزام والالتزام. هذا معنى العقد إذا لم يكن كذلك فإن الله لا يؤاخذ به، مع أن العلماء تحوطاً لاسم الله تعالى لجلاله وكماله وجماله سبحانه وتعالى يكرهون هذا النوع الذي درج عليه الناس، ويعتبرون لغو اليمين من لغو الحديث، وربنا سبحانه وتعالى وصف المؤمنين بأنهم الذين هم عن اللغو معرضون، ووصفهم فقال. وإذا مروا باللغو مروا كرامةً، فاللغو ومنه لغو اليمين يعني كأنه مكروه، لا
يؤاخذك الله به ولا يرتب عليه كفارة، إلا أنه أيضاً لا ينبغي عليك أن تعرض اسم الله في لغو الحديث. صحيح قد يكون لك عذر من أنك تتبرك بذكر الله، وقد يكون لك عذر في أن اللسان. قد تعودت على مثل هذا وقد يكون لك عذر في أن العادة جرت بمثل هذا في أقوامنا وناسنا جيلاً بعد جيل، ولكن من الأفضل ومن الأحسن أن تُعوِّد لسانك على غير هذا. "لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم" ولكن إذا
فهو ترك لنا مساحة من الرحمة، لكنه كلفنا وألزمنا بمساحة. أخرى من التكليف والحكم الشرعي يؤاخذكم، فيكون إذا هناك مساحة لا يؤاخذنا فيها، ومساحة سيؤاخذنا فيها، وسيترتب عليها قضية "بما عقدتم الأيمان". عقدتم الأيمان تعني ألزمتموها، أي عزمتم، أي نويتم، أي أنت تحلف وتقصد وتقول "والله". ولذلك أيضاً في الماضي ربما هذه اللغة لم تعد موجودة الآن، يقول لك... واللهِ بكسر الهاء، قوله هكذا: واللهِ بكسر
الهاء، يعني لأن القسم يكسر المقسم به. فحروف القسم هي الواو والتاء "تاللهِ" أيضاً مكسور، والباء "باللهِ" أيضاً مكسور. إذاً حروف القسم هي الواو والتاء والباء، وكلها تجعل لفظ الجلالة في حالة الانخفاض هكذا. طيب، فيقول لك: واللهِ بكسر. قال ماذا تعني الهاء المكسورة؟ ليست هي. وماذا عندما لا تُكسر الهاء؟ فهناك احتمال أنها ليست يميناً، بل تكون "والله على كل شيء قدير"، وتكون مبتدئة، وتكون للاستئناف. تصبح "والله أسأل". كذلك
كان قديماً في مقدمات الكتب: "والله أسأل وبنبيه أتوسل"، هكذا في مقدمة الكتب. هكذا في نهاية المقدمة يقول: "والله أسأل وبنبيه أتوسل أن يجعل هذا الكتاب صالحاً نافعاً" كذا إلى آخره. فعندما يقول "والله" ويسكت على الهاء، لا نعرف إذا كانت مرفوعة أو مضمومة، أو إذا كانت منصوبة يعني مفتوحة، أو مكسورة يعني فيها جرة. ولذلك كانوا يقولون قديماً "والله". بكسر الهاء هكذا هو قال يعني ما هو القسم؟ إنه
عقد الأيمان يكون هنا، نوى وعزم وحلف وما إلى ذلك. طيب، ولكن "يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان" يعني بما نويتم، فإنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى. وهنا أنشأ الفقهاء كتاباً في كتب فقههم بعنوان كتاب الأيمان (جمع). اليمين والنذور: وقالوا إن النذور من الأيمان، فعندما تقول: "نذرت لله أن أذبح شاة إذا نجح ابني"، معناها وهي في قوة "والله لأذبحن شاة عند نجاح ابني". إذاً، النذر مثل
اليمين. ومن أين أخذوا ذلك؟ من الحديث: "من نذر لله شيئاً ثم لم يقدر عليه، فليكفر عنه كفارة يمين". فيكون... الحق النذر باليمين، فعرفنا أن هناك أيمان صريحة يُذكر فيها اسم الله سبحانه وتعالى، وهناك أيمان ملحقة بها. هناك أصل وهناك ما هو ملحق به، والملحق به هذا ليس فيه تصريح وإنما فيه تقدير وتلميح. ليس فيه كلمة "والله لأذبحن ذبيحة"، ليس فيه هذه الكلمة، لكن في مكانها ماذا؟ نذرت. لله يكون هذا في قوة اليمين، ولذلك
ذهب المحققون من علماء الأمة حينما وجدوا الأمر قد استشرى في المسلمين في يمين الطلاق. انظر ماذا سموه، يمين الطلاق، بأن قال: عليّ الطلاق لأفعل، وعليّ الطلاق لا أسوي، وعليّ الطلاق لا أمتنع، وعليّ الطلاق ما تذهبي وما تروحي وما تأتي، أنه يمين. وأنه في قوة اليمين كأنه قال: والله لطلاقك إذا ذهبت وإذا جئت وإذا فعلت وإذا كذا. ماذا يفعل فيه؟ قال: يفعل فيه كفارة يمين عند وقوع المعلق عليه. ذهبت المرأة وعصته في كذا ولم تعرض
أن تفعل في كذا، فيجب عليه كفارة يمين ولا يُحتسب طلاقًا، وعليه الفتوى في ذلك. الديار المصرية. إذا لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان. وإلى لقاء آخر نستودعكم الله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.