سورة المائدة | ح 1047 |89| تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة المائدة وعند قوله تعالى: "لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان". وجعل الله سبحانه وتعالى بإزاء اليمين المنعقد كفارة اليمين حتى لا نجعل الله عرضة. لإيماننا وكان النبي صلى الله عليه وسلم وهو يعلمنا إذا حلف على شيء ثم رأى البر في غيره كفَّر عن يمينه وفعل الذي هو بر. فلو أن أحدنا قال: "والله لن أذهب إلى الإسكندرية" وعقد اليمين على ألا يسافر
هذه السفرة، ثم رأى الخير في سفره والبر في هذا الانتقال، فليقم. يكفر عن يمينه ويذهب، وهذا معنى قوله: "لا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا". فأنتم الآن لا تريدون أن تفعلوا البر لأنكم حلفتم، فلماذا لا تكفرون؟ إذ بعد عقد اليمين أوجد الله لنا فسحة وأوجد باباً مفتوحاً نستطيع أن ندخل منه من أجل أن نفعل البر ونكفر عن اليمين. والكفارة التي هي لليمين فيها التخيير ابتداءً والترتيب انتهاءً. التخيير
ابتداءً انتهاءًا يعني أنه قسمها إلى درجتين. يجب أن أراعي الدرجتين، فلا أذهب إلى الدرجة الثانية إلا إذا استنفدت كل جهدي في الدرجة الأولى. وفي الدرجة الأولى جعلها لي على الاختيار ثلاث خصال، ثلاث صفات. إذن هو أعطاني حقيبتين، حقيبة... فيها ثلاثُ كراساتٍ وحقيبةٌ فيها كراسةٌ واحدة. يجب عليَّ الذهاب إلى الحقيبة رقم واحد أولاً، ولا أذهب إلى اثنين إلا بعد أن أذهب إلى واحد لم أستطع التعامل مع أيٍّ من
هذه الكراسات ولا أوامرها. أذهب إلى رقم اثنين، وهذا معناه أنها على التخيير ابتداءً وعلى الترتيب انتهاءً. حسناً، أين التخيير ابتداءً؟ قال: "فكفَّارتُهُ إطعامُ عشرةِ مساكين". مَساكين مِن أوسط ما تُطْعِمون أهلكم أو الخيار الثاني كسوتهم أو الخيار الثالث كلهم موضوعين في شنطة واحدة متخيل الذي تريده تحرير رقبة يكون أمامك أن تطعم عشرة مساكين وإذا لم تجد العشرة مساكين أو لم ترض أو أنت تريد قم بكسوتهم أو إذا كنت تريد
أو لم لتحرير رقبة رقم عندما نأتي لنحسب العشرة مساكين نطعمهم من أوسط، أوسط تعني ماذا؟ هناك أناس فهموا من أوسط أي من الشيء المعتدل، يعني انظر ماذا تطعم أهلك وخذ الوسط منه. وهناك أناس قالوا لا، الوسط العالي. وكان الأنبياء يُرسل كل واحد منهم من أواسط قومه أي من. العائلة العالية جداً ليست العائلة المتوسطة، فالوسط هنا معناه أعلى شيء. أنت تطعم أهلك أعلى شيء، ماذا؟ يجب أن تطعمهم لحماً من أعلى نوع، يعني طيوراً، فيجب أن تكون من أفضل
الطيور. وفاكهة أيضاً، يجب أن تكون معهم فاكهة. وتطعمهم كذا، فيجب أن يكون هذا أفضل طبيخ. فتحسب الحساب، افترض أن الأوسط، افترض... أي أنها تختلف، فأنت رجل تُقدم من متوسط ما تقدمه لأهلك. الوجبة للشخص تكلف عشرة جنيهات لنفترض، وشخص آخر متوسط ما يأكله أهله بمائة جنيه لأن الله قد وسّع عليه رزقه، ولنفترض شخصاً ثالثاً بخمسة جنيهات أو اثنين فقط، وغاية ما يقدمه سندويش فول وبعض المخللات، فيكون أوسط متوسط ما تطعم. به أهلك أنت فتختلف من شخص لشخص، إذا مشينا على
أساس عشرة جنيهات، فكم تكون الكسوة والطعام لعشرة مساكين؟ ستكون مائة جنيه. حسناً، اذهب اليوم واكسهم، فسيكلف كل واحد منهم ما بين ثلاثمائة جنيه إلى أربعمائة جنيه، وبالنسبة للعشرة سيكون المجموع أربعة آلاف، فالخيار الأول سيكلفني مائة. جنيه ورقم اثنين ستكلفني أربعة آلاف جنيه، فاذهب هكذا وأعتق رقبة، هذه الرقبة كانت أحياناً تساوي مائة دينار، مائة دينار تعني خمسين جنيهاً ذهبياً. اليوم، أصبح الجنيه الذهبي الآن بألف ومائتي جنيه، في خمسين يعني بستين ألف جنيه. إذن بكم تكون الكفارة الأولى؟ بمائة جنيه، والكفارة الثانية بأربعة آلاف.
جنيه الكفارة الأخيرة ستون ألف جنيه. أعمل النهين، قال لك: اعمل أي شيء. حسناً، أنا معي ستون ألف جنيه أدفعها. ادفع مائة. قال لك: لو دفعت مائة تبرأ ذمتك. هذا اختيار التخيير. ما هو؟ ابتداءً الحقيبة الأولى، تختار منها الذي تريده متى شئت. أصله... انتبه، الإنسان في تعامله مع... الله أيضاً يختلف في تعامله مع شخص يحزن كثيراً جداً لأنه حلف ثم سيرجع في كلامه، فهذا يكون كمن يريد أن يقول: "أنا متأسف يا ربنا"، وهذا أمر عظيم جداً. وهناك شخص آخر لا يهتم، يقول لك: "ادفع ستين ألف جنيه، لماذا؟ فهو من مائة جنيه وانتهى الأمر". فهذا يعتمد على علاقة الإنسان مع... فإذا
قال لك أحدهم: "لا، أنا لدي ستون ألفاً يا رب، أستغفرك وسأدفع ستين ألفاً"، والآخر يدفع. الله سبحانه وتعالى أباح كل هذا التخيير ابتداءً. لم أعرف بعد ذلك، لم أعرف ماذا يعني "ليس معي" أو "غير موجود". انتبه، فالفقدان قد يكون حسياً وقد يكون شرعياً. ما هو الفقدان الحسي؟ الفقد الحسي هو أن لا يوجد فقراء في بلدي. الفقد الحسي هو أن لا توجد رقاب، فكل الرقاب تحررت بالفعل. الفقد
الشرعي، الفقد الشرعي هو أنني لا أملك. هل تدرك كيف يكون هذا فقداً شرعياً؟ إنني لا أملك، مع أنهم موجودون. ها هم المساكين موجودون، والطعام موجود، والكساء موجود، وكل شيء موجود، ولكن... أنا الذي ليس معي، فإذا فقدت الأمر حساً أو شرعاً أنتقل إلى الآية، إلى المجموعة الثانية، الحقيبة الثانية وأفتحها وأرى أن الله أراد مني ساعتها، أراد مني الصيام. "فمن لم يجد"، "فمن لم يجد" ماذا؟ قال: وجود حسي أو وجود شرعي، "فصيام ثلاثة أيام"، فعليك أن تصوم ثلاثة أيام، لا بد أن يكونوا. مُتَتَابعين أم لا حاجة؟ اختلف
العلماء في ذلك، فإذا جعلتموها متتابعة فهذا أفضل حتى تخرجوا من خلاف العلماء. ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم، واحفظوا أيمانكم، أي لا تحلفوا. لماذا تُدخلون أنفسكم في المضايق؟ لماذا تحلفون أصلاً؟ افعل الشيء دون حلف. إن لم ترد الذهاب أو المجيء فلا داعي لذلك. أما أنت لا تريد أن تفعل، افعل هكذا من غير حلفان، كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون. إذًا يصبح واجباً علينا أن نقول: الحمد لله الذي فتحها علينا ولم يضيقها علينا، ولم يلزمني أن ألتزم باليمين حتى ولو كان صاداً لي عن البر أو عن الخير أو
لمنفعة الناس. كذا أو كذا كما أنه أوجد لي شيئًا أخرج به من هذه الورطة، فاللهم احفظنا واحفظ إيماننا يا أرحم الراحمين، وإلى لقاء آخر نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.