سورة المائدة | ح 1048 |90| تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

سورة المائدة | ح 1048 |90| تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة - تفسير, سورة المائدة
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة المائدة، والله سبحانه وتعالى يعلمنا بأحكامه الشرعية المرعية في الحياة، ويبين لنا قضية اليمين في حياتنا ومدى أهميتها، ويبين لنا أقسام اليمين، وأن منه ما يكون لغواً ومنه ما ينعقد. ويبين لنا وجوب الالتزام بما أقسمنا عليه إلا أن يكون مانعاً
لنا من البر، ويبين لنا كفارة ذلك اليمين إذا لم نستطع أن نحافظ عليه، ويبين لنا أنه يأمرنا بأن نحفظ ألسنتنا من الأيمان، وأن لا نجعل الله سبحانه وتعالى عرضة لأيماننا، أن نبر وأن نقدم الخير، ويبين لنا أيضاً. أنه ينبغي علينا أن نشكر الله سبحانه وتعالى على شرعه وعلى رحمته وعلى هذه العلاقة بيننا وبينه، ثم تستمر الآيات في
بيان الأدب الاجتماعي فيقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾، فنهانا الله سبحانه وتعالى عن الخمر، الخمر بموجب. ما نُقِلَ في الأديان السابقة كان حلالاً على بني إسرائيل، وهناك مآسٍ في تاريخ بني إسرائيل من إباحة الخمر، إذ
كانت مباحة ولم يكن هناك تضييق عليها، وهي مباحة لهم إلى الآن. ومعنى أنه لم يكن هناك تضييق أن الإنسان يشرب حتى لو وصل إلى درجة السُّكر، ولكن الإسلام جاء فحرَّمها تماماً. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أسكر كثيره فقليله حرام"، وحتى يُبَيِّن أن قطرة الخمر قد تكون حراماً وهي لا تؤثر بسكر ولا بغيره، قال: "ما أسكر الفرق منه فملء الكف
منه حرام"، والفرق مائتا لتر، الفرق مائتا لتر، مائتا لتر، يعني يكون مثل الشيء الذي في... الحمام هذا أي البانيو، البانيو مملوء بسائل، هذا السائل إذا شربته ستسكر. تخيل لو شربت مائتي لتر، أي الواحد يعني مائتي لتر، حتى لو كانوا ماءً صافياً قراحاً أيضاً فإنه يدوخ أو شيء من هذا القبيل. مائتا لتر، فملء الكف منه حرام. ملء الكف هذا يعني كم؟ هذا لا يصل إلى ثلاثين سنتيمتراً. اللتر ألف سنتيمتر، يعني مائتا ألف، وهذا ثلاثون. اقسم إذن ثلاثين على مائتي ألف لتعرف النسبة. نسبة شيء غير موجود يعني. هذا تحريم تام وبات. وأُغلقت المسائل في المسيحية في رسائل. صلح
المعدة قليل منه، يعني رشفة هكذا، ولكن السكر عند المسيحية حرام أيضاً، فيكون إذن عند اليهود السكر. حلالٌ، وعند المسيحية السُكْرُ حرامٌ وإن كانت الخمرةُ حلالاً، لكن لا تصِلْ بها إلى درجة السُكْر. تشرب لك فنجاناً هكذا، لكن لا تتمادَ إلى أن يغيب عقلك. وفي الإسلام الفنجانُ حرامٌ والقطرةُ منها حرامٌ، سَدَّها تماماً. هكذا إذاً، الخمرةُ حدث فيها كأنَّهُ تدرُّجٌ في تحريمها والخمرة.
في الحقيقة التي تُخَامِر العقل، أم الخبائث كما نقول عندنا، أي الخمرة هي أم الخبائث. فعندما يزول عقلك تصبح قادرًا على فعل أي مصيبة دون الالتفات إلى حقيقة الأمر. والخمر في لغة العرب جاءت من أنها تُخَامِر العقل، أي تحجب العقل عن الإدراك، لكنها... اختصت كلمة "خمرة" في اللغة العربية بما جاء من العنب الذي هو المُسكر الذي يأتي من
عصير العنب. في الشرع، وسَّع رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا المعنى. فأصبحت الخمر لها خصوصية بحسب اللغة، وأصبح لها عموم بحسب الشرع على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحياناً. اللفظ يكون له عموم في اللغة فيأتي سيدنا رسول الله ليجعل له خصوصاً، وأحياناً يكون له خصوص فيأتي سيدنا رسول الله ليجعل له عموماً. فالصلاة، هذه الصلاة تعني الدعاء، لكن صارت عند سيدنا رسول الله، الصلاة عندنا ماذا؟ هي التي نعرفها: الله أكبر، ثم القراءة والركوع والسجود وما إلى ذلك. صلاة المعهودة هذا معنى خاص من الدعاء هذا مخصوص، نعم، فيكون كان لها عموم ووَرَدَ عليها تخصيص. الخمر من
العنب فقط، وقد جعلها رسول الله كل مُسكر فقال ما أذكر قليله. ليس لنا شأن بالخمر التي هي من العنب، سواء أتت من البلح أو جاءت من التفاح أو جاءت من البصل. آتٍ من حيث يكون فهو حرام، ما يسكر قليله فكثيره حرام، فيبقى إغلاق لهذا الباب. نعم، ما يسكر قليله فكثيره حرام، وما يسكر كثيره فقليله حرام. إذًا أُغلق عليها الباب وصار كل مسكر خمرًا، ولذلك في الحديث: "وكل مسكر خمر". هكذا انتهى الأمر،
أُغلق الموضوع، كل مسكر خمر. إن هذا توسيع للمعنى. الخمر فأصبح الخمر الذي هنا الذي معنا في القرآن هو الذي فسره رسول الله صلى الله عليه وسلم. لم يختلف اثنان من المسلمين على حرمة الخمر أبداً، فالخمر منهي عنه. جماهير العلماء عبر العصور على أن الخمرة نجس. يا للعجب! الخمرة نجسة، لو علم المرء ذلك سيشعر بالاشمئزاز. ينظر إليها لا يشربها، هو ينظر إليها فيشعر بالاشمئزاز، ينظر إليها فالخمر
كالبول عند المسلمين، إذ إن الخمر نجسة. وإلى لقاء آخر نزيد في هذا الكلام، نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.