سورة المائدة | ح 1051 |90 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

سورة المائدة | ح 1051 |90 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة - تفسير, سورة المائدة
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة المائدة وعند قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾. حرَّم الله علينا الخمر لكن بلفظ هو أشد في. التحريم من لفظ الحرمة، فليس هناك في كتاب الله "حُرِّمَتْ عليكم الخمر"، إنما فيه ما هو أشد من الحرمة هذه وهي قوله: "فاجتنبوه لعلكم تفلحون". والشأن
كذلك في حالة الزنا والفاحشة - والعياذ بالله تعالى - فإن الله لم يقرن بين لفظي التحريم وبين الزنا، وإنما قال: "لا تقربوا الزنا فاحشة وساء سبيلاً. عدم القرب أشد تحريماً من كلمة حرام، لأنه عندما حرم الزنا حرم أيضاً المقدمات إلى الزنا، ابتداءً من النظرة والخلوة والملامسة والكلام والمواعدة إلى آخر ما هو. نادى إذاً "لا تقربوا"
فاجتنبوا، وهو أشد تحريماً من لفظ الحرام. بعض الظرفاء يقول أن الله لم يقل حرمت عليكم أجل ذلك ولِهواه أو لإدمانه أو لانحرافه يريد ولو أن يحلّها عملاً ويشربها. طيب، الله سبحانه وتعالى لم يقل حرَّم عليكم الزنا، بل استعمل ما هو أشد من التحريم لأنه سدَّ الباب من أول الأمر. والميسر هو القمار، والأمم التي أباحت الميسر وجعلت الثقافة العامة السائدة مبنية على النفس المقامرة.
ابتُليتُ بمصائب كثيرة، والإسلام واضح في تحريم القمار من كل جهة، ولذلك حرَّم بيوع الغرر، فحرَّم أن تبيع السمك في الماء أو الطير في الهواء. من أين ذلك؟ قال: لاشتماله على الغرر، وكلمة الغرر معناها القمار. وعرَّفوا الغرر بأنه تردد الشيء بين أمرين
أخوفهما أعظمهما احتمالاً، يحتمل أن يحصل هكذا ما المُخيف؟ المُخيف أنه إذا حدث ستكون مصيبة سوداء. حسناً، ما احتمالية حدوثه؟ سبعون بالمائة؟ إذاً لا تدخل في هذه المعاملة. أو هل يحدث أم لا يحدث؟ المُخيف أنه لا يحدث، بنسبة كم؟ ستون بالمائة؟ إذاً لا تدخل في هذه المعاملة. أخوفهما أعظمهما، مِمَّ تخاف؟ أن يحدث أم ألا يحدث؟ خائف من هذه أو من هذه، وهذا هو الاحتمال الأكثر، ولذلك
أباح العلماء مع حرمة القمار الميسر الغرر اليسير في البيوع. أي أنني أريد أن أذهب لأشتري بيتاً، وأهم شيء عندي في البيت اليوم هو الأساس. إذن أريد أن أكشف على هذا الأساس وأرى إن كان موافقاً للأوراق وللرخصة التي موافق. إذن وبعد ذلك أحفر في الأساسات، وأثناء حفري في الأساسات ينهار البيت. أذهب لأشتري بطيخة، وأهم شيء في البطيخة أن تكون حمراء. حسناً، أنا
ذاهب لأشتري بطيخاً، فهل أقوم بفتح كل بطيخة؟ لو فعلت ذلك فسأكون قد أفسدت كل شيء. أذهب لأشتري بدلة، وأهم شيء في البدلة هو الحشو. هو الذي يضبطها وهو الذي يقول قم بفك البدلة التي سأشتريها لأرى إن كان الحشو سليماً أم لا، هذا لا يصلح، هذا ليس عقلاً. قالوا: حسناً، يوجد غرر. قالوا: لكن هذا غرر يسير، وقاموا بوضع قاعدة قالوا فيها: "ويُعفى عن الغرر اليسير في عقود المعاوضات، عقود المعاوضات". التي هي (خذ وهات): أعطِ نقوداً وخذ السلع. البيع من عقود المعاوضات. الخدمة: خذ
نقوداً واشترِ مني خدمة، هذه من عقود المعاوضات. حسناً، وعقود التبرعات مثل ماذا؟ أقول لحفيدي: إذا نجحت سأحضر لك دراجة هوائية تركب عليها وتلعب. نجحت؟ هذه ليست دقيقة تماماً، فهو... إذا حصل على واحد وخمسين درجة فهو ناجح، وإذا حصل على تسعة وتسعين درجة فهو أيضاً ناجح. فمعنى "نجحت" هذه ماذا؟ إنها "نجاح" واسع نوعاً ما. وبعد ذلك، أيُّ دراجة
هذه؟ هناك دراجة بخمسة آلاف جنيه، وهناك دراجة بالتقسيط بثلاثمائة جنيه، فأيُّ دراجة ستشتري له؟ ما الموضوع؟ إنه واسع. قالوا الكثير من ماذا؟ يعني عندما تعطيه شيئاً دون مقابل ويتحقق النجاح، فالنجاح له هو. الذي يستفيد منك. وعندما تجلب له دراجة بثلاثمائة أو دراجة بخمسة آلاف، فأنت حر وهو لا يلزمك بشيء، كما أنك لم تلزمه بشيء. إنها كلها تبرعات وتبرعات. هكذا وشيء جيد، فعند العلماء فرق بين عقود المعاوضات وعقود التبرعات. عقود المعاوضات فيها ماذا؟ الغرر اليسير،
نُجيز الغرر اليسير لأجل المصلحة، وعقود التبرعات لا نُجيز... يجوز فيها الغرر الكثير. فيكون الغرر منه يسير ومنه كثير. حسناً، كل هذا عندما وقفوا أمام كلمة الميسر، هذه الميسر ماذا سنفعل معها؟ ما إذا كانت مستويات قراءة القرآن مختلفة، فيمكن للبعض أن يقف عند كلمة "الميسر" ويكتفي بمعرفة أن الميسر حرام. ويمكن لآخر أن يتفكر: ما هو هذا الميسر؟ وعلاَم يشتمل؟ وما الذي جعله محرماً؟ إلى أن يصل إلى مصطلح "الغرر". ثم يتساءل: ما تحديد كلمة الغرر؟ وبعدها ما
هي أنواع هذا الغرر؟ اليسير متصور في ماذا؟ هذا هو الفهم. إنه يفكر، جالس يفكر، وكلما فكر ازدادت معارفه. ولكن ما العلة في كل هذا؟ إنها في التفكير المستقيم وفي تداعي الأفكار وفي البحث حيث جعل الميسرة مركزه وهو يتحدث عن الميسر هذه، يريد أن يفهم. فهمًا عميقًا مستنيرًا واسعًا شاملًا، ومن هنا كان كتاب الله هو المحور لحضارة المسلمين، ومن هنا كان كتاب الله هو المنطلق لحضارة
المسلمين، وهو المخدوم بحضارة المسلمين، وهو الذي لا تنتهي عجائبه، وهو الشامل الذي لا يَخلَق من كثرة الرد، كل ذلك كان في كتاب الله سبحانه وتعالى لأن المسلمين وفَّقهم الله أن لا يقفوا عند رسمه ولا عند اسمه، بل إنهم أخذوه هدىً للمتقين، فأرادوا دائماً أن يبحثوا عن الهداية فيه. وهذا أيضاً هو الفرق بين العلماء وبين بعض المتصدرين، أن هذا المتصدر يأخذ الكلام هكذا، فهو لا يجلس ليفكر فيه ولا يربط بين هذا التفكير ولا يستفيد من. كلام العلماء في هذا الشأن كمن يفقد
المفتاح ويحاول كسر الباب. فهناك شخص معه مفتاح يفتح به الباب، وهناك آخر يريد كسر الباب. الذي سيكسر الباب سيسبب خسارة، والذي سيفتح الباب بالمفتاح سيوفر السهولة ويحافظ على المال ويوفر الوقت. هذا هو حال العلماء مع بعض المتصدرين في بلادنا وفي عصرنا الخمر والميسر والأنصاب والأزلام كلامها طويل فنؤجلها إلى حلقة أخرى، وإلى لقاء. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.