سورة المائدة | ح 934 | 18 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

سورة المائدة | ح 934 | 18 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة - تفسير, سورة المائدة
بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ الحمدُ للهِ والصلاةُ والسلامُ على سيدِنا رسولِ اللهِ وآلِهِ وصحبِهِ ومَن والاهُ، معَ كتابِ اللهِ وفي سورةِ المائدةِ يقولُ ربُّنا سبحانَهُ وتعالى وهو يَنعى على اليهودِ وعلى النصارى وعلى البشرِ أجمعينَ الصفاتِ التي لا يرضى عنها، وبذلكَ فقد حذَّرَ المسلمينَ أن يقعوا في ذاتِ الصفاتِ التي لا يرضى عنها، قال تعالى: "وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه". يعني أنهم يدّعون التمييز، ونحن متميزون.
الإسلام ضد التمييز، "قل فلم يعذبكم بذنوبكم إذا كنتم أبناءه وأحباءه". إذاً فقد حذر البشر جميعاً من الادعاء بغير دليل ولا برهان، والتمييز ضد الإنسان دعوى بلا برهان، فإن الله سبحانه وتعالى قد خُلِقَ الناسُ سواسيةً، الناسُ سواسيةٌ كأسنانِ المشطِ؛ يعني متساويةً. هكذا كان المشطُ قديماً، تجدُ أنَّهُ لا توجدُ فيهِ تدرجاتٌ ولا ارتفاعٌ ولا انخفاضٌ ولا الأشياءُ الحديثةُ هذهِ. المشطُ الحاليُ فيهِ تفاوتٌ، أمَّا المشطُ القديمُ فكانَ بسيطاً هكذا. إنَّهُ كأسنانِ المشطِ، كلُّهُ على
مستوىً واحدٍ. أمَّا الآن فصاروا يصنعونَ... قطعة للحجامة وقطعة للسحالي وقطعة للحياة وقطعة كذا، يعني أبدعوا. لكن قول العرب "هكذا الناس سواسية كأسنان المشط" جاء من المشط القديم الذي كانت فيه تتساوى عيدان المشط وأسنانه بحيث إنك لا تميز واحدة من الأخرى. فالناس سواسية، "بما استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً". يبقى إذاً الناس سواسية كلهم. المولود يُولد على الفطرة، إذاً فالناس سواسية وليس هناك أي تمييز بين البشر يستدعي
أن يدّعي أحدهم أنه من أصحاب الدم الأزرق الملكي الإمبراطوري، ولا أنه من شعاع الشمس كما كان في إمبراطوريات قامت هكذا على مبدأ "ابن الشمس"، ولا أنه من أبناء الله، ولا أن الخلق عيال الله. انظر إلى هذا الكلام. أصبح الفرق بين الخلق، الصغير والكبير، والرجل والمرأة، والجاهل والعالم، والبدوي والحضري، وكل الخلق عيال الله. نعم، هكذا يكون صحيحاً أننا نطلب الإعالة والرزق من الله فقط، وكلنا سواسية. ولذلك فإن هذه الآية تعلن بوضوح أنها ضد
التمييز، والتمييز له أنواع كثيرة، فهناك التمييز ضد المرأة، وهناك التمييز ضد... الطفولة هناك، التمييز ضد اللون هناك، التمييز ضد الدين هناك، التمييز ضد الأجنبي أبداً، والإسلام لا يعرف شيئاً من هذه الأنواع أبداً، فأنبأنا أن أرض الله واسعة "ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها"، وأنبأنا
أنه ليس هناك حدود ولا فواصل، وأن الإنسان يُنسب إلى المكان الذي ولد فيه، فإذا... أصبح في مكان آخر أكثر من أربعين يوماً نُسب إليه واختلفوا: هل أربعون يوماً كافية أم نجعلها أربعة أشهر أم نجعل الأربعة أشهر أربع سنوات؟ أين تجد هذا الكلام؟ في علم الحديث، وهم يضبطون كلام الرجال. يقول لك: فلان الفلاني البغدادي. لماذا قيل "البغدادي"؟ لأنه ولد في بغداد. هذا ما... هو المَنشأ أو المقام، أو لأنه مَكَثَ في بغداد، فهو مولود في القاهرة
لكنه مَكَثَ في بغداد. مَكَثَ كم من الوقت؟ بعضهم يقول يستحق هذا اللقب بعد أربعين يوماً، والآخر يقول لا إنه يستحقه بعد أربعة أشهر، والثالث يقول اجعلها أربع سنوات، فيكون قد استقر وأقام وعمل وما إلى ذلك. آخره فإذا هذا كلام على الإطلاق، التطبيقات الخاصة بالمسلمين، فاهمين الآن عدم التمييز، لا يوجد تمييز، فلا يوجد تمييز ضد اللون وقد شاهدنا قصة سيدنا بلال في الحلقات الماضية، لا يوجد تمييز ضد المرأة، ولذلك
دين الإسلام ليس كشأن أديان أخرى قالت إن المرأة غير مكلفة، طيب ولماذا هكذا أو... تجعل في صلاتها "الحمد لله الذي خلقتني ذكراً"، حسناً، والمرأة ماذا تقول؟ أليست المرأة ستصلي هكذا، أم ماذا ستفعل؟ وأصبحت مشكلة لديهم كيف يفسرونها. بينما نحن عندنا ماذا؟ "الحمد لله رب العالمين" تقولها المرأة ويقولها الرجل. حسناً، فروض الصلاة عند النساء هي نفسها فروض الصلاة عند الرجال. لم نقل إنها تصلي خمس ركعات لأنها امرأة، والرجل يصلي أربع ركعات كفاية لأنه رجل، لا يوجد شيء بهذا الشكل. إذاً فهذا
الكلام ليس مرتبطاً بالعقيدة فقط. عندما يقرأ أحد "وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه"، يظن بعض الناس أن هذه عقيدة فقط، لا، بل إن هذا الكلام مرتبط بالمواقف الإنسانية. في مسار الحياة أنا لن أقول مثل ما قال آخرون إنني ابن الله وإنني حبيب الله، ويترتب على ذلك أنني متميز عن الخلق. أبداً، لا. أنا أتقي الله وأبتعد عن المعاصي وأقوم بالفروض وأعطي الناس حقوقهم،
وفي كثير من الأحيان لا أطالبهم بحقي، ثم بعد ذلك كله أسأل الله السلام. أقول له يا رب سلِّم سلِّم وأنا أسأل الله السلام على حالي القائم ولا أعرف ماذا سيحدث غداً، ولذلك من كلام المسلمين: "اللهم حسن الختام"، "يا الله حسن الختام". ماذا يعني ذلك؟ يعني يا الله أسألك حسن الختام. يقوم فيقول لك ماذا؟ "اللهم حسن الختام" يعني يا رب الأمر. غَدًا لَيْسَ بِيَدِي. اخْتِمْ بِخَيْرٍ. وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
"وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا شِبْرٌ" - يَعْنِي مِقْدَارٌ قَلِيلٌ - "فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْأَجَلُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُ النَّارَ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا شِبْرٌ فَيَسْبِقُ..." عليه الأجل كتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيموت فيدخل الجنة. حسناً، الأولى تحذير وخلفني، لست ضامناً
لنفسي وأقول: يا رب سلّم سلّم. وهذا يُحدث في القلب خضوعاً وخشوعاً وتوكلاً على الله، ويا رب سلّم لأن هذه المسألة خطيرة. لا أطمئن بأنني مصلٍ وصائم وحاج وعامل وفاعل. وسوي ولابد أن أخلص النية، وأخاف وأرتعش، فأقول: "يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على الإيمان". فالقلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء. وبعد ذلك أظل خائفاً. حسناً، والثانية أن يعمل عمل أهل النار. يعني أنت ابتدأت يا مولانا بالمعصية. في الحقيقة، أنا أسميها القراءة السيئة للنصوص الشرعية، هناك شيء كهذا. اسمها
القراءة السيئة، سوءُ قراءة، سوء. لا، إنه يقول لي ما تحت قرش. أحد يعصي ربنا وأنت لا تعرفين. ما شأنك؟ فهو واضح أهذا حرام أم لا يا مولانا؟ حرام. طيب، وهو في النار إذن؟ لا، إنه من الممكن أن يكون ابن بار يشكر الله. ربنا يحفظه ويوفقه أن يعمل عمل أهل الجنة. فيدخل فيها، ما هو وضعك أنت إذن؟ هذا يفيد الخضوع والخنوع لله، وهذا يفيد عدم التكبر على خلق الله. ليس هناك تمييز حتى للعصاة، حتى للكفار. حتى العصاة وحتى الكفار، فنحن أصحاب الدعوة، زبائننا هم كل الخلق. زبائننا الذين
نريد أن نقول لهم: كل الخلق. وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين، وإلى لقاء آخر نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.