سورة المائدة | ح 935 | 18 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة المائدة يقول ربنا سبحانه وتعالى: "وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه". وهذه الكلمة تعني أن بعض الطوائف أرادت أن تتميز عن الخلق، والله سبحانه وتعالى دائماً يخرجنا من. دائرة التميز والتمييز إلى دائرة القضايا الكبرى والحقائق المهمة، وجاءت الإجابة الربانية والإرشاد الإلهي بعدها
في قوله تعالى "قل"، وكلمة "قل" يقوم بها النبي صلى الله عليه وسلم ابتداءً ثم يحملها كل مسلم بعده انتهاءً، ولذلك حافظ الله عليها في كتابه. لم يكن النبي يقول مثلاً "قل" فالنبي يسقطها، لا. يصح ذلك، فعندما يقول "فلم يعذبكم بذنوبكم"، لا أصل لهذه الفلسفة. إنها كانت موجهة إلى النبي ابتداءً، ثم لكل قارئ للقرآن ولكل عامل به انتهاءً. ولذلك قال: "بلّغوا عني ولو آية"، فكل المسلمين يبلغون عنه. قل: أقول
يا رب إنهم هم الذين يميزون، فلم يعذبكم بذنوبكم، إذاً. هذه نقضت دعوى التمييز ونقلتنا إلى قضية عامة مهمة: كل من يذنب من البشر هو عرضة للوعيد والعذاب. كل من يرتكب خطيئة. ما الفرق بين الخطأ والخطيئة؟ التعمد والقصد. الخطأ يقع فيه الإنسان من غير قصد، لكن الخطيئة هي ذنب ينويه الإنسان ويريده ويقصده. هذه الخطيئة تحتاج إلى استغفار. ما استغفرت تحتاج إلى استعظام
الذنب، وما استعظمت تحتاج إلى إقلاع عن الذنب، وما أقلعت؟ إذًا ستتعذب هكذا، أي سنهددك. قال: "فلم يعذبكم بذنوبكم" أي بسبب ذنوبكم. وهنا العذاب جعله مفتوحًا، إما أن يكون في الدنيا وإما أن يكون في الآخرة. والعذاب الذي يكون في الدنيا رحمة في حقيقته لأن... الأصل فيه التنبيه لأن الأصل فيه مراجعة الحساب، فعندما تسير وتُشاك بشوكة، قلت له: "أستغفر الله، ماذا فعلت اليوم؟"، لعلك ترجع. فالعذاب الدنيوي هذا خفيف، لكن
العذاب الأخروي مع الأسرار هذا فيه رحمة الله، أما عذاب الدنيا فهو نوع من أنواع البلاء يُصاب به المؤمن. ويختبر حتى يرجع لعلهم يرجعون، بل أنتم بشر ممن خلق. هذه قضية عامة، من أنتم؟ أنتم مثل اليهود والنصارى الذين قالوا نحن أبناء الله وأحباؤه. ربما ليس كلهم قالوا هكذا، ليكن هذا من قال منهم، لأننا لا نتعامل بتمييز، نحن نتعامل مع قضايا، أنتم الذين هم نحن. كل
البشر الذين يسمعون هذا الكلام الآن الذي نزل منذ أربعة عشر قرناً، أنتم بشر ممن خلق، أي جزء مما خلق الله، لأنه خلق السماوات والأرض والجن والملائكة وخلق كثيراً، فأنتم بشر جزء مما خلق ربنا، فيكون عيباً عندما تميزون أنفسكم، يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء. فالغفران والعذاب مرتبطان بالمعصية والطاعة، وليسا مرتبطين بالدعاة والتمييز. إن مقولات "نحن شعب الله
المختار" و"نحن الذين فضلنا الله على العالمين" و"نحن أبناء الله وأحباؤه" و"أحل الله لنا ما لم يحل للأمم الأخرى" و"استعبد الله الأمم لصالحنا"، كل هذا الكلام خرافة. وسبب كونه خرافة أنه غير حقيقي ولا يمثل الواقع، أساطير. هذه الأساطير نبّه الله عليها ممن صدرت منه هذه الأساطير وابتدعوها. ثانياً: حمى المكون العقلي للمسلمين منها. احذر أيها المسلم أن تقول عن نفسك إنك ابن الله أو حبيبه، أو أنك تجاوزت الحدود، أو أنك لن تُحاسَب، أو أنك... في حين أنك ترجو غفران الله.
ورحمة الله وشفاعة النبي فيك يوم القيامة إلا أن النبي سيقف فيقول: "يا رب أصحابي أصحابي"، فيقول: "صه يا محمد فإنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك". يبقى حتى الشفاعة بيد الله. الذين لا تعجبهم الشفاعة ويقولون: "لا توجد شفاعة، لا توجد شفاعة"، لماذا قال لهم ما أنتم... تكونون مثل أبناء الله وأحبائه، لا، نحن نقول سيدنا رسول الله يشفع فينا إن شاء الله، هكذا، لكن هذا يقول لك: "لا، نحن نجعله حبيباً وكفى"، لا، لم يقل المسلمون هكذا أبداً، ولو أن أحداً اعتقد أن الشفاعة معناها أنه يفعل ما يشاء في الدنيا ثم النبي يشفع له. ستقوم فيهم القيامة وبذلك
يصبحون مثل هؤلاء، لكن القضية أنه ليست له شفاعة فقط بإذن الله، فهو لا يستطيع إلا بعد أن يسجد وأن يُؤمر بالشفاعة بكيفية تتناسب مع مراد الله سبحانه وتعالى. ولله ملك السماوات والأرض، ولذلك فهو الذي بيده الحكم والذي بيده الخلق إذا كان خلق السماوات. والسماوات والأرض خلق السماوات والأرض ولكن لا يقول بعدها وما بينهما. السماوات عرفناها والأرض عرفناها، ولكن ما بينهما ما هو؟
ما الذي بينهما؟ فبعض الناس أيضاً يقول لك ما بينهما ربما الكواكب مثلاً. حسناً، أليست الكواكب في السماء؟ الشموس، في السماء. حسناً، البحار والأشجار؟ أليست هذه في... البحار والأشجار في الأرض، أما ما بينهما فما هو؟ لعله يقصد الإنسان وما خلقه وخلق فعله. فربنا مالك السماوات والأرض وما بينهما، هذه العوالم كلها من ملائكة وجن وبشر. فهو بيده القرب وهو بيده الإبعاد، وهو سبحانه وتعالى بيده الفضل والثواب والعقاب والغفران، بيده ملكوت كل
شيء، إذاً ولله. يعني في مُلك الله وللّه يعني مختص بالله، وللّه معناها في قدرة الله سبحانه وتعالى وتصرفه كيف يشاء، مُلك السماوات والأرض وما بينهما. إذاً فهذه الآية تنفي دعوى التمييز. إياك أن تقول أنا رجل فأنا أفضل من المرأة، أنا كبير فأنا أفضل من الصغير، أنا حضري وأنا أفضل من البدوي. أنا عالم فأنا أفضل
من الجاهل. هل العلم أفضل من الجهل؟ والحضارة أفضل من البداوة؟ انتبه، لكنك لست أفضل من هذا. إياك أن تخلط بين المعاني وبين الأشخاص. أنا تراب ابن تراب، لا أرى إلا أنني أسوأ قليلاً، وبعد ذلك تعلَّم لأن العلم أفضل من... الجهل وتحضر لأن الحضارة أفضل من البداوة واسع لأن تكون غنيًا وأن تكون الدنيا في يدك لأن الغنى أفضل من الفقر، لكن إياك أن تتكبر على فقير وتدعي في نفسك أنك أفضل منه لغناك، لا، إن الغني هو الله، ولذلك يقول: "وإليه المصير"،
هذا صاحب الملك، فما الذي هنا الذي... سيتساوى عنده الغني والفقير، والأبيض والأسود، والرجل والمرأة، والحضري والبدوي، والعالم والجاهل. وكما تقول أنت، وإلى لقاء آخر، نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبركاته.