سورة المائدة | ح 937 | 19 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

سورة المائدة | ح 937 | 19 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة - تفسير, سورة المائدة
بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم، الحمدُ للهِ والصَّلاةُ والسَّلامُ على سيِّدِنا رسولِ اللهِ وآلِهِ وصحبِهِ ومَن والاه. مع كتابِ اللهِ وفي سورةِ المائدةِ يقولُ ربُّنا سبحانَهُ وتعالى: "يا أهلَ الكتابِ قد جاءَكُم رسولُنا يُبيِّنُ لكُم على فترةٍ مِنَ الرُّسُلِ أن تقولوا ما جاءَنا مِن بشيرٍ ولا نذيرٍ"، وهنا هذا التَّركيبُ "أن". تقولوا استعملتُ فيه "أنْ" في إحدى مهامها ووظائفها ومعانيها وهو معنى النفي، فمعنى "أنْ" هنا بمعنى "لا" نفي
حتى لا تقول، يعني "أنْ" لو شئنا أن نضع مكانها "حتى لا" فظهرت الكلمة "لا"، إذن تكون "أنْ" كما أنها تأتي لتكون مسبوكة في الفعل من بعدها في قوة المصدر، فإنها تأتي للتأكيد فإنها تأتي أيضاً للنفي، ومن ذلك قول مهانئ لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما حدثها: "أناشدك
الله أن تحدثوا به قريشاً فيكذبوك". انظر إلى الكلام: "أن تحدثوا به" وليس "تحدثوا به"، أي لا تحدث به قريشاً فيكذبوك. إذن، أنا هنا بمعنى "لا"، فهي تأتي بمعنى النفي "لا". تحدَّث به
قريشًا فيمكن أن تكون في قوة الناهية أو النافية "لا تحدث به قريشًا". فـ"أمْ" تأتي بمعنى "الله"، و"والله" تأتي إما ناهية أو نافية. "أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير"، يعني لا تقولوا هذا، لا تقولوا هذا، فقد جاءكم بشير ونذير، ذلك سبب نهيكم عن القول. لأنه غير الواقع، إذ جاءكم بشير ونذير، فلا تقولوا إنه لم يأتنا بشير ونذير. وكلمة "بشير" من الأوصاف التي وصف الله سبحانه وتعالى بها نبيه في كتابه، وهي على وزن فعيل. وقد
ذكرنا أن صيغة فعيل تُطلق ويُراد منها اسم المفعول، أو تُطلق ويُراد منها اسم الفاعل. يكون بشير إما بمعنى مبشر، فإذا كان مبشراً فهو يبشر غيره ويقوم بعملية البشرى لغيره، يُبلغ البشرى لغيره: "أبشر ستدخل الجنة إن شاء الله". بشير (مبشر) يعني أن شخصاً يبشره. وقد ذكرنا أن هذه الصيغة "فعيل" تصلح للدلالة على اسم الفاعل
استقلالاً أو للدلالة على اسم المفعول استقلالاً أو للدلالة معاً يكون مبشراً ومبشَّراً، فهل هذا يصلح في حق النبي؟ نعم، لأنه يبشر الناس بالعفو والمغفرة والرحمة الربانية، وهو مبشَّر بشَّره الله سبحانه وتعالى بالشفاعة وبالجنة وبالفردوس الأعلى، وبأنه يعصمه من الناس، وبأنه قد فتح له فتحاً مبيناً، وبأنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. ما ودَّعك ربك وما قلى، وللآخرة
خير لك من الأولى، ولسوف يعطيك ربك فترضى. يكون كل هذا في ماذا؟ في بشرى. إذن هو مبشِّر، وكذلك فهو مبشَّر به ومبشراً برسول يأتي من بعده اسمه أحمد. فهو المبشِّر المبشَّر عليه الصلاة والسلام، فهو البشير. إذن البشير هنا تصلح للدلالة. على الأمرين، ولا الدلالة على واحدة منهما للدلالة على الأمرين معاً، ولا بالتبادل معاً. هذا هو ذاته قام به ما اقتضى أنه مبشر، وقام به ما اقتضى أنه مبشر، بل وقام به ما اقتضى أنه
مبشر به هو نفسه. بشر هو بشروا به، فهو مبشر به الله. هذا يكون من... ماذا من كل جانب هو بشير صلى الله عليه وسلم نذير؟ صيغة "فعيل" هي فقط تصلح للدلالة على مُنذِر. ومُنذِر يعني هو النبي، فهل أحد أنذره؟ لا، يصح أن يكون نذيراً بمعنى مُنذَر. لا تصلح إلا أنه مُنذِر، ينذر الناس بعواقب أمورهم وما يفعلون، يقول لهم: انتبهوا، إن ما ويقول هذا الخطأ الذي أغضب الله، دعنا نترك هذا الأمر، فما هو "نذير"؟ إنه بمعنى
واحد فقط وهو "منذر". إذاً نعمل بالصيغ اللغوية عندما يمكن العمل بها، فلا يأتي أحد ليقول لك إن "نذير" مثل "بشير"، فهذا يعد خلطاً لا يصح، وهذا يُفهم بناءً على الإمكان هو. هل هذا ممكن أم غير ممكن؟ لا، غير ممكن. خلاص، لا يمكن، لا يمكن. ولذلك كلمتان وشيء قليل. "بشير" و"نذير"، "بشير" تأتي اسم فاعل واسم مفعول، و"نذير" تأتي اسم فاعل فقط. ولذلك العلماء من خلال هذا التأمل والتدبر واللغة قالوا:
"الاقتران ليس بحجة". انظر إلى هذا الكلام: "الاقتران ليس بحجة"، بينما أنت وحدك أخذت أحكامًا معينة، فإن بعض الأحكام الأخرى ليست بالضرورة تأخذ نفس الحكم. انتبه عندما قال النبي - لكي نوضح الكلام - "خمس من الفطرة: الختان ونتف الإبط" أو "الإبط والختان"، فالختان واجب للذكور، ونتف الإبط هيئة سنة. فهل عندما ذكرهما معًا
وكان نتف الإبط هيئة، يصبح الختان الاقتراب ليس بحجة، هل أنت منتبه؟ حسناً، نقطة أخرى لتوضيح الأمر لك، بالطبع الخمسة الباقون مثلاً الاستحداد يعني غسل البراجم أي غسل ما بين الأصابع، هي هيئة أيضاً وشيء، إذن هذه واحدة فقط التي هي واجبة والباقي كله ماذا؟ سنة. إن الله يأمركم بماذا؟ قال بالعدل، هذا العدل واجب عليّ من الممكن أن أعدل مرة وأظلم مرة، لا، هذا واجب. ليس أحد على الدوام كما هو واجب. طبعاً بالعدل والإحسان،
الإحسان يعني العطاء، الإحسان معناه الخلق الكريم. يجب أن تُبرز الخلق الكريم، أليس هذا من فضائل الأخلاق؟ هذا من فضائل الأخلاق. التبسم في وجه أخيك صدقة، وإيتاء ذي القربى هذه أحسن أن تعطي طبعاً وأثْوِب أن تعطي. هل العدل في وجوبه مثل إيتاء ذي القربى في وجوبه؟ لا، بل مثل الإحسان. هذا يقول: "ما على المحسنين من سبيل". إذاً إذا اقترنوا بجانب بعضهم: العدل، الإحسان، إيتاء ذي القربى، وكانت أحكامهم مختلفة، قال العلماء: كل هذا
من باب البشير والنذير. افهم أبشر، نفعت للاثنين نذير، ما نفعت إلا لوحده، فالاقتران ليس حجة. فليذهبوا ويبحثوا ليجدوا فعلاً أن الاقتران ليس حجة. قالوا لكن عندما يكون هناك نهي، فالاقتران يصبح حجة. عندما يكون هناك نهي يصبح الاقتران حجة. وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، كله حرام وليس واحدة مكروهة والأخرى حرام. والثالث خلاف الأولى، لا، هذا كله حرام. ففي حالة الأمر، الاقتران ليس بحجة، وفي حالة النهي، الاقتران حجة. وإلى لقاء آخر، نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.