سورة المائدة | ح 938 | 19| تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

سورة المائدة | ح 938 | 19| تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة - تفسير, سورة المائدة
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله، وفي سورة المائدة، يقول ربنا سبحانه وتعالى: "يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير". والله على كل شيء قدير، ختم الآية بهذه الحقيقة أن الله سبحانه وتعالى على كل شيء قدير، وهي حقيقة إلهية لم يفهمها كثير من الناس، فمنهم
من أنكر المعجزات، وذلك أنه لم تستقر في عقليته ولا في وجدانه أن الله على كل شيء قدير، فأنكر المعجزات. لا تُنكر وهناك معجزة متعلقة بالرسول، وقد جرى على يد النبي المصطفى أكثر من ألف معجزة. وهناك معجزة رسالة، ومعجزة الرسالة هي القرآن الكريم. ولذلك ترى المسلمين لا يعتمدون كثيراً في إثبات عقائدهم بمعجزات النبي، لأن الذين شاهدوها هم أهل عصره وأصحابه. لكن هذا لا يعني إنكار معجزات النبي، فهي معجزات
ثابتة بالرغم لا نذكرها كثيراً ولا نعتمد عليها في البرهان العقلي الذي ندعو الناس إليه، فقد جمع المسلمون بين قوتين: قوة الإيمان وثباته بنسبة الحق إلى أهله والمعجزات إلى نبينا، وقوة البرهان المؤيد بالعقل والمؤيد بالحس والمؤيد بما يظهره الله سبحانه وتعالى تأييداً لكتابه في كتابه المنظور في الكون. سنريهم آياتنا في وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق فجمع المسلمون بين القوتين والله
على كل شيء قدير. يقف العلماء هنا عند كلمتين: كلمة "شيء" وكلمة "قدير". "شيء" سيبويه في الكتاب يقول إن كلمة "شيء" تعني كل شيء، كل شيء. قلنا له: ماذا تعني بكل شيء؟ الواجب شيء؟ قال: نعم، شيء. والممكن شيء قال نعم شيء والمستحيل شيء قال نعم المستحيل شيء. فسيبويه يقول إن اللغة
تبين أن هذه الكلمة كلمة "شيء" تشمل - لا نريد أن نقول تشمل كل شيء، سيختلط معنا الأمر - هذا يشمل كل شيء، أي شيء سواء كان واجباً أو كان ممكناً أو كان مستحيلاً، يسمي العلماء هذه الأحكام العقلية، وأقسام حكم العقل لا محالة هي: الوجوب، ثم الاستحالة، ثم الجواز ثالث الأقسام، فافهم، مُنحت لذة الأفهام. هكذا يقول الشيخ الدردير، أي أن الأقسام العقلية للحكم العقلي ثلاثة: إما واجب الوجود، أو ممكن الوجود، أو مستحيل الوجود. والممكن يسمونه جائزاً، أي ممكن جائز،
نعم. السنة الجماعة قالوا: لا يا جماعة، الشيء هو الموجود. نحن عندنا الواجب الوجود الذي هو ربنا موجود، والممكن الذي هو الكائنات هذه كلها، منها ما هو موجود ومنها ما هو معدوم. فالموجود نحن هكذا، والمسجد الذي نحن فيه هذا، والميكروفون هذا، والكتاب، واللباس، وكل شيء أصبح موجوداً أمامنا، والمعدوم حفيد. حفيدي حفيد حفيدي هذا سيوجد أم لن يوجد؟ الله واحد. هل يمكن أن يوجد؟ نعم يمكن، فها نحن البشرية تتناسل. نعم، ولكن هذا غير موجود الآن. نعم، إذن هو معدوم.
إذن الممكن يمكن أن يكون إما موجودًا وإما حفيد حفيدي هذا معدوم. إذًا الممكن منه موجود ومنه معدوم، الموجود الذي هو حفيد حفيدي، وهذا المستحيل معدوم دائماً، فهو ليس ممكناً أن يوجد، إذ هو مستحيل، فكيف تكون موجودة؟ أهل السنة والجماعة قالوا: يا جماعة، الشيء يُطلق على الموجود فقط، سواء كان واجب الوجود أو كان ممكن الوجود، يعني سيُطلق على ربنا، قال له: نعم، ما دليلكم؟ قل أي... شيءٌ أكبرُ شهادةً، قلْ اللهُ. قلْ أيُّ شيءٍ أكبرُ
شهادةً، قلْ اللهُ. فعندما يأتي قولُ "اللهُ" إجابةً على "شيءٌ"، يُصبحُ اللهُ شيئاً ونحنُ أشياءٌ. "لا تسألوا عن أشياءَ إنْ تُبْدَ لكم تَسُؤْكُم". قال المعتزلةُ: "يا جماعةُ، نحنُ نعتبرُ أنَّ الشيءَ هو الممكنُ، فلا تُسمُّوا ربَّنا شيئاً ولا المستحيلَ". شيء الشيء الذي هو الممكن سواء كان موجوداً أو كان معدوماً، قلنا لهم: "لماذا تفعلون هكذا؟ لقد أتيناكم بالدليل". قال: "نفعل ذلك لنرد على الفلاسفة الذين قالوا ماذا؟" قالوا: "الفلاسفة عندهم شيء وأشكال في عقولهم تجعلهم يقولون بقدم العالم
وأن الله لم يخلقه". ابتداءً، كيف يُمكن أن يُسلّط الله قدرته على شيء غير موجود ومعدوم؟ فيأتي مُسلّطاً القدرة فتتحول [الأشياء] من العدم إلى الوجود. هذا الأمر لا يدخل في عقولنا. فالمعتزلة قالوا لهم: "هذا العدم شيء، فربنا سلّط القدرة على شيء". فهل يصح ذلك؟ كثير منهم قالوا: "نعم، يصح إذا كان العدم شيئاً، ارتاحت عقولنا قليلاً، فقالوا لهم: حسناً، العدم شيء وليس سيُحدِث فرقاً، العدم شيء وقد سلط الله القدرة عليه. لذلك ليس
لدينا مانع من أن نأخذ بكلام المعتزلة أيضاً، لأنه سيؤدي إلى راحة ذهن الإنسان الذي يؤمن بالله. وإلى لقاء آخر، نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.