سورة المائدة | ح 944 | 26| تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

سورة المائدة | ح 944 | 26| تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة - تفسير, سورة المائدة
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة المائدة وعند قوله تعالى على لسان موسى: "قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين. قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض". فلا تأس على القوم الفاسقين. ذكرنا أن الوقف في هذه الآية قد يكون عند كلمة "عليهم" وقد يكون عند كلمة "سنة"، ويختلف المعنى حينئذ. ولك أن تفعل هذا أو ذاك. فإذا كانت الأرض المقدسة
محرمة عليهم، هل هي محرمة عليهم فلا يدخلونها؟ أم أنها محرمة عليهم أي أن الله سبحانه... وتعالى لم ينشئ عهداً ولا وعداً لهم ولا أحقية لهم في تلك الأرض، والتاريخ يثبت أنهم قد دخلوها. إذاً فالمعنى الثاني هو المتعين، وهو أن هؤلاء الناس لا حق لهم هنا. وبعد ما مكنهم الله سبحانه وتعالى من العماليق والجبارين وأدخلهم الأرض المقدسة، فإنهم لم يراعوا عبر التاريخ هذه النعمة. بل أنهم افتتحوا معابده للأوثان
وعبدوا الوثن في التيه عبد العبد وفي الأرض المقدسة عبد الوثن، وحينئذ نرى في التلمود في الآية رقم مائة وإحدى عشرة أنها محرمة عليكم، فإذا رجعتم ذبحتم كما تذبح الغزلان في الغابة، ولذلك نرى كثيراً من المتمسكين بالنصوص اليهودية من اليهود لا يعودون إلى هذه. الأرض أبدًا ويقولون إن الله قد حرمها علينا حتى يغفر لنا، فإذا دخلناها فقد نقضنا عهده واستوجب علينا القتل. وكثير
منهم يقولون: لا، ليست هذه معنى النصوص، ويؤولون كما هو حادث في كل دين. ولكن هنا يتبين لنا دقة القرآن وهو يقول: محرمة عليهم، ونأخذ منه عدم وجود عهد تاريخي. أو وعد إلهي أو حق شرعي لليهود بالذات في فلسطين وتصبح ما هو حاصل الآن مسألة سياسية. الرئيس أوباما، ونحن نرحب به في جامعة القاهرة، ويقول لك: "والله أصل اليهود اضطهدوهم في أوروبا". حسناً، وما شأني أنا؟ هل أنتم تضربون اليهود في أوروبا وتقتلون ستة ملايين بأيديكم في
المحرقة ثم الذي يدفع الثمن أمر غريب عجيب، يعني أنت الآن تقول أن اليهود ليس لهم حق وأن الذين عليهم أن يدفعوا الثمن هم أوروبا وليس نحن، لأنك تقول إنه حقاً حدثت محرقة فظيعة مريعة. ماذا تعني فظيعة ومريعة؟ وعلى فكرة نحن لم نفعلها في تاريخنا بعد أن تمكنا من الأرض، لم نقتل شعوباً ولم نُهِن إنساناً ولم نجعل عنصرية بين السود والبيض أبداً، بل إننا ظللنا في تاريخنا نُمَكِّن المماليك العبيد من الحكم. هل رأيتم أمة تجعل عبيدها يحكمونها؟ عبيدها
أصبحوا حكاماً لها لأن كفاءتهم تؤهلهم لذلك. هذا النهج استمر حتى عهد العز بن عبد السلام الذي قال: "يا إخواننا، يعني أنتم عبيد ستجلبون لنا مشكلة فقهية دستورية فباعهم حتى يمكن لهم الحكم في أم فعلت هكذا، ولا العبيد في العالم كله يشكون من سوء المعاملة معهم باعتبارهم أشياء حتى ضجوا وحصل أننا حررنا العبيد في العالم كله، ألم تر أمة هكذا حكامها سبعمائة سنة. العبيد تجمعهم إذاً، هذا كلام، نعم، الإسلام هو هكذا. فعندما سجدتم لليهود، هؤلاء اليهود الذين هربوا
مع المسلمين في الأندلس حينما كانوا يقتلون المسلمين في الأندلس، اليهود هربوا معهم إلى مراكش لكي يحتموا بالمسلمين، وهربوا معهم إلى أضنة في تركيا لكي يحتموا بالمسلمين، ولم يهجروا من أماكنهم إلا لكي يحتموا عمرنا هكذا نحن ندفع الثمن. فإذا كانت المسألة مسألة سياسية، فلا ينبغي لأحد أن يأتي ويقول: "إن الله في القرآن أعطاهم هذه الأرض". لا، هذا غير صحيح، فهي محرمة عليهم. وإذا كانت محرمة عليهم، فماذا يقول النص بعد ذلك؟ "أربعين سنة يتيهون في الأرض". ما هذه القصة؟ قال. لك أربعون سنة ماذا يفعلون؟ يُشكِّلون جيلين.
أربعون سنة سأنجب أنا الولد اليوم فيكبر، سيكبر ويصبح شاباً هكذا قوياً متماسكاً، وعندما يبلغ عشرين عاماً سيتزوج وينجب ولداً ويكبر. متى سيصبح قوياً وجيداً هكذا؟ عشرون عاماً. فيكون عشرون وعشرون كم جيل؟ جيلان، أي أربعون. الصف الذي لم يرضَ أن يمتثل. لأمر الله التخاذل الذي لم يرض أن يجاهد في سبيل الله، التخاذل الذي ينام ويرتاح ويأتيه النجاح، هذا هو البليد الذي يجب أن نتخلص منه. بماذا؟ قال: بالتربية. أربعون سنة يتيهون
في الأرض، برنامج تربوي. الذي يريد أن يربي إذن، والتربية لا تحدث فجأة، فهم الذين سيربون الأبناء فقط. أيضًا عندما ينشئهم في التعليم على المبادئ الجديدة، سيكونون متأثرين قليلًا بآبائهم وقليلًا بالتعليم، ثم يأتي الجيل الثاني فيتأثر قليلًا بآبائهم ويتأثر قليلًا بهذا التعليم الجديد. فبعد أربعين سنة ستستطيع أن تُخرّج جيلًا تعتمد عليه، يستطيع أن يدخل الأرض ولا يقول لك مثلما قال أجدادهم لك. هؤلاء سيكونون أجدادهم. "اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون". لن
يقولوا لك هكذا. سيكونون فاهمين، سيكون لديهم علم ولديهم همة ولديهم تربية. فالأربعون سنة منهج تربوي، وليست مجرد أربعين سنة. انظر الفرق في تعاملك مع القرآن بين أن تقرأه أربعين سنة وتقول نعم قرأته في وقت معين. أربعين سنة معلومة هكذا وبين أن تتأملها وتستخرج منها أن هذا جيل من بعد جيل وأن هذه مسألة تربوية وأنك أنت بهذا الشكل غيّرت في المجتمع وأن هذا التغيير إيجابي وأنه أنشأ علماً وهمة وأنه الله هذا هو ما يسمى استهداء القرآن أنك أنت الآن تتدبر. القرآن ففيه فرق أن تقف عند
النص الظاهر وهناك فرق أنك تفكر وتتداعى الأفكار وكما نفعل الآن واحدة تلو الأخرى هكذا، كلام منطقي وليس كلاماً بعيداً عن الحقيقة. فلا بد علينا عندما نتعامل مع القرآن أن نتعامل معه على أنه كتاب هداية وأن هذه. الهداية تتمثل في هدايتي أنا أيها القارئ الآن. ليس كتابًا زمنيًا تاريخيًا مضى عليه نقرؤه فقط للتعبد وللتبرك، وليس كتابًا مغلقًا ومغلقًا أبدًا. هذا كتاب يفتح يديه وقلبه، ولكن لمن
أراد الهداية. أما من أراد اللعب معه فسيغلق معه على الفور، فلا تأس على القوم الفاسقين لأننا سنبدلهم، سنبدل. بهم آخرين وسيأتي هؤلاء الآخرون وينفذون لك أملك في الوصول إلى الأرض المقدسة. وإلى لقاء آخر، نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.