سورة المائدة | ح 945 | 27 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ والصلاةُ والسلامُ على سيدنا رسولِ اللهِ وآلهِ وصحبهِ ومن والاهُ. معَ كتابِ اللهِ وفي سورةِ المائدةِ يقولُ ربُّنا سبحانَهُ وتعالى: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ هنا أمرٌ من رب العالمين لعباده المؤمنين والمسلمين أن يتلوا في كتاب ربنا وفي صلواتهم وفي عباداتهم نبأ ابني آدم بالحق، متمثلاً
ذلك الأمر في مخاطبة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، فقال الله له: "واتل عليهم". والتلاوة تشمل شيئاً من الذكر والتذكير، وتشمل شيئاً من الإعلان وليس في السر. والخفاء والمخافة وتشمل شيئاً من الأمر واتلُ، والأمر عادة أنه للوجوب ما لم تصرفه قرينة تدل على غير ذلك. فعندما أسمع ربنا سبحانه وتعالى وهو يقول "واتلُ" تأتيني شعورات بأنه يريد أن نبلِّغ هذا للعالمين، وأن
نجهر به، وأن نعلِّمه أبناءنا، وأن نكرر تلاوته وذكره، وأن نقف عنده، وأن نستفيد. به كل هذا في كلمة "عتلو"، والتلاوة سُميت بذلك لأنك تأتي بالشيء تلو الشيء، يعني فيها نوع من أنواع الأمر بالتكرار. اتلُ تلاوة الشيء، هذا الشيء تلا هذا الشيء، هذا الشيء تلا هذا الشيء. ما هو الشيء؟ كره، مثل عندما نسمي اليوم عيداً، يعني يعود مرة بعد أخرى، "واتل عليهم"، على المؤمنين ولا قال على المسلمين، قال عليهم. وعرفنا مرات أن الله إذا أطلق عبارة،
ما دام قال عليهم ولم يقل على مَن، ولم يقل على مَن تُتلى، على الحاضر أم على القادم، على مَن هو داخل الأمة أم مَن هو خارجها. هذا "عليهم" يعني الجميع، ما دام لم يُحدد كثرة الموجود عندما تُقلِّل القيود ستكسر به الموجود. وعلى مَن هذا؟ على كل الناس عبر العصور وفي كل مكان وفي كل الأحوال. واتلُ عليهم نبأ ابني آدم، ما اسمهما؟ ابنا آدم. لم يذكر أسماءهما لأنه لم يقصد ذلك، وهذه عظمة القرآن أنه أراد أن يوصلك إلى الحكمة.
مباشرةً دون الوقوف على الدقائق التاريخية، وهذه كانت فاصلة بين القرآن باعتباره العهد الأخير وبين ما سبقه من الكتب. فإذا تأملت فيما سبق وجدت تفصيلاً في السنين وفي الأيام: طول آدم كم ذراعاً، ومَن هو، وماذا فعل، ومن أي شجرة أكل، وكيف اتصل به إبليس، أو بحواء، وكيف خدعهما. طريق أنه يحيي التفاصيل، ولكن القرآن يتجاوز التفاصيل. إذ إن
تركيب القرآن يريدك أنت أيضاً أن تصل إلى الهدف من أقرب طريق، وألا تقف كثيراً عند التفاصيل التي قد تكون مهمة في علم التاريخ وفي علم الآثار وغير ذلك. ولكن هذا ليس كتاب تاريخ ولا آثار ولا غير ذلك من وفلك ولا يخالف الحقائق لكنه في نفس الوقت ليس هو كتاب من هذا الصنف من العلوم التي قد تكون معتبرة، ولذلك ما عدد أهل الكهف وما اسم كلبهم وما لونه أسئلة
كثيرة. ابن نوح ما اسمه؟ أخو يوسف ما اسمه؟ وهكذا يظل يسألك الكثير. وإخوة يوسف ما أسماؤهم؟ وأسماء أهل... الكهف أي كهف وكانوا في أي سنة بالضبط كل هذه أمور تاريخية وقد تكون مهمة في هذه العلوم لكنني أحتاج إلى موقفهم قبل النوم وبعد النوم، موقفهم من الإيمان، موقفهم من الحياة، موقفهم من الناس، موقفهم من المبادئ، موقفهم وكذا واتلُ عليهم نبأ ابني آدم بالحق. لم يقل إذاً هذا وذاك، وهذا آبائي في التفسير هذه الأشياء، وأن الكلب
الذي كان مع أهل الكهف كان اسمه قطمير، لم يذكر شيئاً، وأنه كان بني اللون، بني موجود. لا، ودعني أخبرك كل شيء، ومر هنا في الأزهر الشريف شخص جاء يسأل سيدنا الشيخ صالح الجعفري رحمه الله، قال: سيدنا الشيخ، ذكر ربنا أبا سيدنا إبراهيم وقال أنه عُذر. حسناً، ما اسم أمه؟ ما اسم أم سيدنا إبراهيم؟ فنظر إليّ الشيخ له: لي: "يا سيدي، أم إبراهيم يعني... لا تقدم ولا تؤخر" وما إلى ذلك. وأنا شاب صغير هكذا، قلت: لا، يجب أن أعرف اسم أم إبراهيم في الكتب
حتى وجدت اسمها، فوجدت أن اسمها "نونة"، اسمها "نونة". حسناً، ماذا استفدت؟ لا شيء، إلا أنني أعرف هذا، وهذا أخي عندما يأتي ويقول لي: أم السيدة، أم سيدنا إبراهيم، ما اسمها؟ لا، هذا كلام غير وارد. فالقرآن علّمنا منهج التفكير، "واتلُ عليهم نبأ ابني آدم بالحق"، لم يقل هم كانوا أولاد صلب، يعني ابنا آدم الذين هم أبناء آدم، أبوهم آدم وليس جدهم، وكان عائشاً حينها ابنا آدم، يعني أول اثنين تقاتلا. ولم يذكر كل هذه التفاصيل، ولا في أي سنة من الخلق كان ذلك، لم يذكر ذلك. هناك أشياء كثيرة. حسناً، أين كانوا يعيشون إذن؟
يعني أنا... أريد أن أفهم ما هي بالضبط قصتهم التي دفعت إلى هذا القتل. هل يمكن أن نبحث عن قبره الآن؟ أرشدنا يا ربنا إلى قبره. وهكذا أصبحت أسئلة لا نهاية لها تذهب بالمقصد والهدف، ولكن الهداية تستوجب أن "واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا". قرّبا قرباناً فتُقُبِّل من أحدهما ولم يُتقبَّل من الآخر. قال: لأقتلنك. بخلاف ذلك، قال: إنما يتقبل الله من المتقين. وسنشرح بقية
الهداية في هذه الآيات في حلقة أخرى. إلى اللقاء، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.