سورة المائدة | ح 946 | 27 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

سورة المائدة | ح 946 | 27 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة - تفسير, سورة المائدة
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة المائدة يقول ربنا سبحانه وتعالى: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ هنا قرّبا قرباناً فتُقبّل من أحدهما. لا يزال القرآن لا يذكر التفاصيل التي ذُكرت في التفاسير من كلام أخذناه من تفاصيل موجودة في كتب أهل الكتاب
من قبلنا. فتذكر هذه الكتب أنه في ذلك الزمان كانوا إذا قرّبوا القربان فإن الله يتقبل ذلك القربان برفعه إلى السماء واحتراقه. وأن القربان الذي لم يُؤخذ ولم يُحرق فإنه يكون غير مقبول، وأن اسمَي هذين الابنين هابيل وقابيل، وأن القاتل هو قابيل، وأن المقتول هو هابيل، وأنهما قد اختلفا على الزواج من أخت لهما، وكان في هذا الزمن حواء
تلد في كل بطن ذكراً وأنثى، وكان قد حُرّم الزواج بين التوأمين. من بطن واحدة ولكن يجوز لهذا أن يتزوج من أخته وإن كانت أخته لكنها أخت غير محرمة عليه من بطن أخرى وبأصل هذا انتشرت البشرية. كل هذا موجود في التفسير ولكن الله لم يذكره وإنما ذكر ما يوصلنا إلى الهدف من بشاعة العدوان على النفس التي حرم الله قتلها إلا. بالحق بشاعة هذا العدوان وإنكاره واستنكاره وموقف
الإنسان إذا ما ابتلي بهذا الذنب، وأنه يجب عليه أن يتوب لأنه قد هدم بنيان الرب، وبنيان الرب هو الإنسان الذي أودع الله فيه روحاً من عنده ومن خلقه قامت به. وأن ذلك يستوجب الاحترام المزيد للإنسان، فيعلمنا أن نحترم الإنسان كإنسان. ولذلك عندما كانت جنازة تمر على النبي صلى الله عليه وسلم فوقف، فقالوا: يا رسول الله، إنها جنازة يهودي، يعني مات على غير الإسلام. قال: "أو ليست بنفس؟". إذًا الوقوف هنا احتراماً للنفس البشرية بغض النظر
عن كينونتها أو عن إيمانها أو عن دخولها في إطار العقاب أو الثواب. عند الله ولكنه لما خلقها نفسًا بشرية فقد أضفى عليها من الاحترام ما أسجد الملائكة لأبيهم آدم من أجلها، فلما سوّى ونفخ فيهم الروح أمر الملائكة: "قعوا له ساجدين، اسجدوا لآدم"، فسجد الملائكة كلهم أجمعون. إذًا القضية هي تعظيم هذا الشأن، شأن الروح في الجسد، ومن هنا أخذ الفقهاء أنه لا يجوز العدوان على الجنين بعد أربعة أشهر وهي المدة التي حددها
رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفخ الروح في ذلك الجسد، وإن كان ناميًا متحركًا قبلها، فيقول الفقهاء عن ذلك الحياة النباتية. فالجنين في بطن أمه قبل الشهور الأربعة التي تُنفخ عندها الروح كان حيًا حياة نباتية وليست. حياة نُفخت فيها الروح تستوجب بعد ذلك المؤاخذة وتستوجب بعد ذلك القصاص، وهذا الجنين الذي نُفخت فيه الروح شأنه حتى مع تشوهه أو مع عجزه أو احتمال عجزه شأن من أُصيب من بني الإنسان فقُطعت أطرافه أو أُصيب عقله أو مخه أو أُصيب
بأي شيء، فلا بد عليه لا. يمكن القول بأن نقتله رحمةً به أو نقتله حتى نتخلص منه أو هو يتخلص من آلامه، ولذلك اتفقت كلمة العلماء على أنه لا يجوز قتل الرحمة لمريض ميؤوس من شفائه يتألم ويطلب أن يعطيه أحد حقنة تميته أو أي شيء، فهذا ممنوع احتراماً للنفس البشرية. واتلُ عليهم نبأ ابني آدم إذ قرّبا قرباناً فتُقُبِّل من أحدهما ولم يُتقبل من الآخر، قال: لأقتلنّك. وهنا نراه يستعمل أدوات التأكيد لأن كلامه يعني لا يُصدق. أولاً، لم تُرتكب
مثل هذه الجريمة من قبل، فماذا يعني أن تقتلني؟ أي أنني لا أفهم معنى أن تقتلني كما نقتل الحيوان ونذبحه، وقد سلّطنا الله عليه ومكّننا. منها من أجل المنفعة والأكل والشرب وتقتل، يعني ما كنا فاهمين، يعني لأن السامع منكر استعمل المتكلم صيغة التأكيد. لأقتلن من نكب، لو قال له سوف أقتلك، إن شاء الله أقتلك، هكذا فقط من غير اللام والنون والتأكيد هذا ما كان صدقه، كان سيقول له: ماذا؟ أنت تمزح! لكن نحن نقول إن المتكلم إذا رأى السامع منكرًا أشد الإنكار
يؤكد أشد التأكيد، فلما تكلم بكلام فيه أشد التأكيد عرفنا أن السامع كان سينكر أشد الإنكار. لو لم يكن كذلك لقتلتك، وهذا يدل على انظر، حسنًا، وهذا لو كان هذا القرآن من عند محمد، يعني كيف يفكر محمد في هذه المسألة؟ لا تصلح والله، هذه مشيئة من عند الله، هذه مشيئة من عند الله. سأقتلك في هذا الموقف. لماذا؟ لأنها أول مرة تحدث في العالم، ولأنها غير مصدقة، فالسامع يمكنه أشد الإنكار، فاستوجب ذلك أشد التأكيد. هذا لو كان شخص يجلس يبحث ويتفلسف، لن يصل إليها. انتبه عند... الإنشاء يعني
أنني أكتب ما لم تأتِ في النص، أما عند التفسير فأجلس وأتأمل فيها هكذا، كيف أن هذا الكلام بعد أربعة عشر قرناً، وربما الكلام الذي أقوله هذا لا تجده في التفسير، لم يخطر على بال أحد، وتعمل بالاحتمال، ربما تجدها، لكنني لم أجدها، أي لم أرها من قبل، ما تتدبر القرآن كل ما تجده معجزاً، شيئاً يعجز عنه أن يقوم به فرد أو جماعة أو مجموعة أو غير ذلك. "لَأَقْتُلَنَّكَ" في هذا الموقف تعني لأقتلنك وحسب، أو سوف أقتلك، لا، بل "لَأَقْتُلَنَّكَ" تُستخدم لأشد التأكيد. قال: "إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ". لماذا تقتلني؟ إن
الله يتقبل من عباده من المتقين ويُتَقَبَّل حينما يكون هناك تقبُّل، وقال إنه اختلف مع أخيه على أنه يريد أن يتزوج توأمته، والآخر يقول: هذا حرام وخطأ وممنوع، فاختلفوا على هذه المسألة، فقرَّب كل منهما قرباناً، فتُقُبِّل من أحدهما ولم يُتَقَبَّل من الآخر. الحديث طويل مع كتاب الله سبحانه وتعالى، فإلى لقاء آخر، نستودعكم عليكم ورحمة الله وبركاته