سورة المائدة | ح 953 | 32| تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة المائدة يقول ربنا سبحانه وتعالى بعد أن قص علينا قصص القاتل والمقتول من ابني آدم، وكيف أن القاتل قد اعتدى وتجاوز وبغى على أخيه من غير وجه حق من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً. ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثيراً منهم بعد ذلك في الأرض
لمسرفون، إذ حرم الله القتل، قتل النفس التي حرم إلا بالحق كل الأديان ولأن الذين يعيشون في المدينة هم بنو إسرائيل، ولأن بني إسرائيل هم الذين معهم الكتاب والنور والهدى من سيدنا موسى والشريعة، خصهم بالذكر. ولكن ميزة بني إسرائيل أن الله أرسل فيهم رسلاً تترى وأنبياء لا تنقطع حتى سموا إبراهيم بأبي الأنبياء، حيث إنهم جميعاً من نسل سيدنا إبراهيم
الأنبياء معناها أنهم أهل شريعة ولها معنى آخر أن قلوبهم قاسية وأن نبياً واحداً لم يكفهم وأنه كلما أُرسل لهم نبي قتلوه أو عصوه فإنا لله وإنا إليه راجعون. هناك دلالتان: أنهم أهل شريعة وفي نفس الوقت أنهم أهل قسوة. من أجل ذلك، تذكر دائماً ما سبق وأنت تقرأ. في الإشارة ذلك، ما هي؟ تقول عنها ماذا؟ مضمون ما سبق. من أجل هذه القصة التي سمعتموها الآن، أي من أجل قصة القاتل والمقتول
من ابني آدم، والعبرة والدرس والفائدة التي تشتملها، كتبنا على بني إسرائيل من أجل ذلك. فذلك هنا معناها مضمون ما سبق. كتبنا يعني فرضنا. فربنا سبحانه وتعالى عندما يكتب شيئاً يعني يفرض شيئاً، يجعله في الكتاب، يجعله مكتوباً عليك. ومكتوباً عليك أي هو محتمٌ عليك ومفروضٌ عليك. "كتبنا على بني إسرائيل"، "كُتِبَ عليكم الصيام" يعني فُرِضَ عليكم الصيام، "كما كُتِبَ على الذين من قبلكم" يعني كما فُرِضَ على الذين من قبلكم.
مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَبَاحَ لَهُمُ القِصَاصَ كَمَا أَبَاحَ فِي كُلِّ مِلَّةٍ هَذَا القِصَاصَ لِأَنَّ القِصَاصَ فِيهِ دِفَاعٌ عَنِ النَّفْسِ وَفِيهِ دِفَاعٌ عَنِ المُجْتَمَعِ. أَبَاحَهُ اللهُ دَرْءًا لِلدَّمِ وَمَنْعًا لِلْفَسَادِ فِي الأَرْضِ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ. مَا الفَرْقُ بَيْنَ الاثْنَيْنِ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ. من قتل نفساً بغير نفس، أي قتل نفساً بغير
نفس، فهذا يعني فساداً في الأرض. قال: لا، قتل نفساً بغير نفس لأي سبب كان، نفساً بغير نفس لأي سبب كان. فلنفترض أنك قتلته من أجل أنه سبك أو قذفك أو سرقك، سرق منك فذهبت لتقتله، شتمك فقمت بقتله. نعم، هو شتمك نعم، لكن أتقتله هكذا؟ لماذا تقتله؟ قال: إنني غاضب منه. أهذا غاضب منه؟ ذلك لأنه فعل كذا
وكذا ويفعل لي... نعم، يعني قائمة بالأعمال التي فعلها. يصدق عليه، حتى لو كان هناك مبرر للقتل، أنه قتل نفساً بغير نفس. إذاً ففائدة هذه العبارة والكلمة هو... منع القتل بأي مبرر كان مصيبة أو فساد في الأرض الذي هو بلا مبرر، بلا مبرر. لماذا تفعل ذلك؟ لماذا تقتله؟ قال ذلك من أجل "اضرب المربوط يخاف السائب". أي أنك وبين الشخص الذي قتلته لا يوجد شيء.
قال: "هل أنا أعرفك؟" ولكن عندما قتلته أخفت الآخرين. الباقي وهذا كان دأب الأباطرة والأكاسرة والطغاة عبر التاريخ أنه يقتل بلا سبب من أجل أن يظهر للناس قوته. بعدما قتلوا، ماذا تفعل أنت؟ تطيع على الفور لأنك تعرف النتيجة. ستمتثل إذا كان هو قد قتل الذي لا يعرفه، فماذا سيفعل بك أنت؟ فيخاف فيتبع. هذا هو الفساد في... الأرض وهذا لماذا؟ فساد؛ لأنه هكذا علّم الناس الخوف من غير الله وهذا
فساد. هكذا علمهم النفاق. أول ما يقول شيئاً صحيحاً: "أكبر صحيح الذي تقوله! نحن لا نعرف لماذا يلهمك ربنا هكذا! أنت مُلْهَم! نحن لا نعرف من أين تأتي بهذا الكلام! من مشكاة إلهية يا..." أخي، ولذلك عبدوا فرعون، عبدوه لماذا؟ قالوا في الروايات أن فرعون هذا كان يقتل بالنظرة، يعني هو جالس هكذا، لم يعجبه شخص فيفعل هكذا بعينه. هكذا لا يفعل برأسه، يعني أنا لم أفعل برأسي هكذا، لا، الرأس حركة كبيرة قليلاً.
بالنظرة يوجه عينه إلى الناحية الأخرى هكذا، معناه اقتلوه عندما قتلوا واحداً ثم قتلوا اثنين، قال لهم: "أنا ربكم الأعلى". قالوا: "لقد مات ولا يرى شيئاً". انظر كيف أصبح الفساد كبيراً. الفساد في الأرض هو تخويف الناس، والفساد في الأرض هو أن تقتل بغير حق. هذا ليس له علاقة، لم يحدث شيء، يعني لم يكن هذا سبب غضبه ولا إلى آخره، ولذلك عندما جاء سيدنا موسى في هذه العبارة "واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه"، ربنا يقول له ماذا؟ "وألقيت عليك محبة مني"، فكان فرعون ينظر إليه هكذا،
"الله يا ولد، أنت ألم نربك فينا وليداً ولبثت فينا من عمرك سنين وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين" الكلام غريب، انتبه جيداً مَن الذي يقوله. شخص يقتل بالنظرة، فلماذا لا يشير إلى موسى هكذا ويقتله؟ لماذا لم يُشِر إليه؟ واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه. وبعد ذلك، فرعون الجبار هذا يقول لسيدنا موسى: "ألم نُربِّك فينا وليداً"، كأنه يقول له: يا فتى استحِ. هذا يحبه، هذا فرعون يحب موسى ولا يعرف كيف يتخلص من حبه "وألقيت
عليك محبة مني"، وبعد ذلك يدخل ويقول: حسناً، سأقنعك، سأحضر لك السحرة، انتظر حتى يجتمعوا. إذاً هذه تصرفات فرعون؟ لا، هذه ليست تصرفات فرعون أبداً. وفرعون أيضاً، أضف إلى ذلك أنه يعرف أن... هذا الشخص سبب هلاكه أيضاً ولا يستطيع أن يفعل شيئاً، بل يمدد مدته، وهذا معناه أن الله سبحانه وتعالى قد حرم قتل النفس بغير نفس وحرم قتل النفس التي تعد من الفساد في الأرض، لأن هذا الفساد فساد كبير.
فاللهم سلم وإلى لقاء آخر نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة وبركاته