سورة المائدة | ح 954 | 32| تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

سورة المائدة | ح 954 | 32| تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة - تفسير, سورة المائدة
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة المائدة يقول ربنا سبحانه وتعالى: "مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا". أحيا الناس جميعاً، وفي هذه الآية يُعظم الله سبحانه وتعالى كما ذكرنا القتل ويجعله كبيرة من الكبائر. والكبيرة في الشريعة الإسلامية نراها قد اقترنت بالتحريم. كبائر
الإثم والفواحش إلا اللمم، فكبائر الإثم علاماتها أولاً التحريم أنها حرام، ثانياً أنها تقترن عادة باللعن، فكلما رأيت شيئاً من الذنوب قد لعنه الله. أو لعنه رسوله صلى الله عليه وسلم، تعلم أنه كبيرة. والثالثة أنها تقترن أيضاً بالوعيد بالنار، خاصة الخلود في النار. فإذا رأيت الذنب قد توعد الله عليه بالنار،
خاصة إذا كان قد توعد عليه بالخلود في النار، عرفت أنه من الكبائر. إذاً في حقيقة الأمر أن الذنوب جميعها قبيحة. كبيرها وصغيرها ويجب عليك أن تبتعد عن الذنوب جميعاً كبيرها وصغيرها. اترك الذنوب كبيرها وصغيرها يعني دعها صغيرها وكبيرها، كبيرها وصغيرها. ذاك التقى واصنع كما تمشي فوق أرض الشوك يحذر ما يرى. لا تحقرنّ صغيرة إن الجبال من الحصى. إذاً
فالله سبحانه وتعالى حرّم علينا الذنوب كبيرها وصغيرها ولكن في أنَّ هناك ذنوباً كبيرةً وأنَّ هناك ذنوباً صغيرةً بمعنى الأثر المترتب على كل من هذه الذنوب يختلف، فليس من كذب مازحاً كمن كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم. من كذب مازحاً فقد ارتكب ذنباً، ونحن نقول له مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تكذب"، ومقالته صلى. الله عليه وسلم وهو يسأل: أيكذب المؤمن؟ قال: لا. فالكذب ممنوع، ولكن
هل من كذب وهو ذنب ومن قصّ في أنه زارك أمس فلم يجدك، يعني يريد أنه يسلي قلبك أو يضحك معك أو أنه خجل منك، كمن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ لا، قال صلى الله عليه وسلم: "من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار". هذه كبيرة، وإن اختلف الأثر، ولكننا في النهي عن الذنوب ننهى عنها جملة واحدة لأنها من القذارات التي ندعو الله سبحانه وتعالى أن يبرئنا منها وأن يطهرنا منها، حتى ولو كان كل بني آدم خطّاءً،
فإن خير الخطائين. التوابون نتوب إلى الله سبحانه وتعالى بالليل والنهار، وفي كل يوم نتبرأ إلى الله مما فعلناه أو قد وقعنا فيه تقصيراً أو قصوراً في أي ذنب مما نهى عنه. القتل من الكبائر، ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إياكم والسبع الموبقات"، إذ هناك من الذنوب ما هو موبق. وموبق معناه أنه يبطل الأعمال وأنه يمحق البركة وأنه يعني يرتكب كبيرة من الكبائر، وعد منها الإشراك بالله وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وعقوق الوالدين والسحر، وهكذا عد منها بلايا كبيرة، أي
هكذا، والسرقة. قالوا: ومن علامات الكبائر أيضاً أن يجعل الله بإزائها عقوبة دنيوية محددة، يجعل بإزائها. إذا صاحب السرقة عملية قتل، فإن يد السارق تُقطع، لتصبح هذه السرقة كبيرة من الكبائر. القتل فيه القصاص، فيكون هذا القتل كبيرة من الكبائر. مثلاً الزنا والعياذ بالله تعالى كبيرة من الكبائر، وشرب الخمر كبيرة من الكبائر. إذاً نستطيع أن نقول إن القتل من الكبائر، وأن من علامات الكبائر أولاً لعن من الله أو رسوله صلى الله عليه وسلم، ثانياً أن
يرد بشأنها وعيد بالنار أو خلود في النار، ثالثاً أن يرد بشأنها حد محدد من عند الله سبحانه وتعالى. فإذا ورد شيء من هذه الثلاثة فإنها تدخل في باب الكبائر، وإذا لم يرد شيء من هذه الثلاثة فإنها تكون ذنوب وصغائر لكنها تكون أخف من هذه الدائرة وإن كان الجميع ينبغي على الإنسان أن يتطهر منه وأن لا يقع فيه وأن يتوب إلى الله إذا ما اقترفه وأن يعود سريعاً إلى الله سبحانه وتعالى وأن يجعل أمثال الوضوء والصلاة والصيام والصدقة ونحو ذلك من مكفرات الذنوب
بشرط أن يُقلع عنها، يُقلع عن الذنب الذي هو فيه. من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل. طيِّب، علينا وعلى مَن بعد بني إسرائيل، ما هي الآية؟ عندما يتكلم ربنا في هذا الكتاب فهو بالأساس يخاطبنا نحن، يبيِّن لنا ما الذي فعله مع موسى ومع بني إسرائيل من أجل ما نحن منه. أجل غدٍ وليس من أجل أن يروي رواية تاريخية ولا أن نقف بهذا عند حقيقة حُبست في الزمن الماضي أبداً، وإلا لا يكون كتاب هداية، وهو كتاب هداية. وعلى ذلك إذا قرأنا القرآن، قرأناه
وهو موجه إلينا. إذا كان الله قد نعى على بني إسرائيل ونبه بني إسرائيل وحذر بني إسرائيل من هذه الفعلة الخبيثة وهي قتل النفس بغير حق، فهو يوجه الكلام إلينا من باب أولى. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نحن أحق بموسى منه"، يعني موسى هذا النبي خاصتنا نحن. فإذا كان الله أوحى إلى موسى بهذا، فهذا موجه إلينا لأننا من أتباع موسى، وموسى سيدنا. كما أن النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم هو سيدنا أيضاً، وإذا رأينا موسى يفعل فعلاً فإننا نتأسى به، وإذا رأينا
ربنا سبحانه وتعالى يكلم موسى تكليماً فإننا نعرف أن ما وجهه إلى موسى إنما هو من أجل الأسوة الحسنة لنا في حياتنا، ولذلك كان القتل كبيرة من الكبائر من. أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل، وإذا كان ذلك، فمن باب أولى فقد كتب الله علينا نحن المسلمين ذلك؛ لأن موسى هو نبينا صلى الله عليه وعلى نبينا وسلم تسليماً كثيراً، ويكفي قول النبي صلى الله عليه وسلم: "نحن أحق بموسى منهم"، يعني إذا كانوا هم لن يتبعوه فنحن سنتبعه لا يوقرونه ولا يعذرونه ولا ينصرونه، نحن نفعل ذلك
لأننا هذه هي الأمة الحق، وعلى ذلك يأتينا تفضيل ربنا. من الذين فضلهم على العالمين؟ أتباع موسى، من هم أتباع موسى؟ هؤلاء نحن. هكذا، فالذي سيطيع هو الذي سيفضل على العالمين، الذي سيمتنع عن القتل والكذب والخداع والإفساد في. الأرض هي هذه، ولذلك من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل كلاماً بليغاً معناه أنه مكتوب عليكم من باب الأولوية لأنكم أحق بموسى من كل أحد. وإلى لقاء آخر، نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.