سورة المائدة | ح 962 | 35 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

سورة المائدة | ح 962 | 35 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة - تفسير, سورة المائدة
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة المائدة يقول ربنا سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾. وهذه آية ترسم الطريق إلى الله. يا أيها الذين آمنوا الله والتقوى كما ذكرنا مرات في تعريف الإمام علي رضي الله تعالى عنه: الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا
بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل. الخوف من الجليل يقتضي الإيمان بالله، والعمل بالتنزيل يقتضي الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم، والرضا بالقليل يقتضي قاعدة السير في هذه الحياة الدنيا، والاستعداد ليوم. الرحيل يقتضي الإيمان باليوم الآخر، إذاً فالتقوى تشمل كأنها أركان الإيمان الستة: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله
وقضائه خيره وشره واليوم الآخر، يعني الستة تشملهم إما تصريحاً وإما ضمناً. إذاً فالأمر بالتقوى له جانبان: جانب في المعتقد وجانب في السلوك، جانب يؤمن فيه الإنسان بربه ووحيه وأمره ونهيه، وجانب يسلك. في الحياة الدنيا على مقتضى أمر الله سبحانه وتعالى وبتوفيق الله وهدايته الذين آمنوا وعملوا الصالحات. فتقوى الله تقتضي الإيمان مع العمل الصالح. الأمر
الثاني أننا ونحن في طريق الله ينبغي أن نبتغي إليه الوسيلة، فيقول: "وابتغوا إليه الوسيلة"، والآية عامة، والوسيلة تعني كل وسيلة تقربنا إلى الله سبحانه وتعالى. والنبي صلى الله عليه وسلم وهو يصف ما أمرنا به يقول: "وما تركت شيئًا يقربكم إلى الله، يقربكم إلى الجنة، يبعدكم عن النار إلا أمرتكم به، وما تركت شيئًا يبعدكم عن الله، يبعدكم عن الجنة، يقربكم إلى النار إلا نهيتكم عنه"، وهو يقول: "إذا أمرتكم بأمر، وإذا
نهيتكم عن أمر..." فانتهوا، وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، يعني لا يكلف الله نفساً إلا وسعها. فالوسيلة معناها ما يُتوسل به إلى الله سبحانه وتعالى، ولا يُتوسل إلى الله بما يغضب الله سبحانه، بل يُتوسل إلى الله بما يرضي الله. وغاية الكتاب الكريم أنه بيّن لنا ما يرضي الله وما يغضبه. الله ما يحب
الله وما يكره ما يأمر به الله وما ينهى ولذلك فهو هدى للمتقين لأن الأمر أصبح بعد الكتاب بينًا تبيانًا لكل شيء هذا بيان للناس إذًا فالقرآن الكريم هو الذي نأخذ منه ما الذي يرضي ربنا حتى نفعله ونتوسل به سبحانه وتعالى إليه وما الذي هو على ضد ذلك مما يغضبه سبحانه وتعالى فنبتعد عنه، فنتوسل بالبعد عنه إليه، والتوسل إلى الله سبحانه وتعالى هو نوع أيضاً من
أنواع الدعاء، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "الدعاء هو العبادة"، وكان أبو هريرة رضي الله تعالى عنه إذا تلا الحديث "الدعاء هو العبادة" يقول: "فإن لم تصدقوني فاقرؤوا". قوله تعالى: "وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين..." ها، نعم، فيكون إذا ذُكِرت آية العبادة، فجعل الدعاء هو العبادة. وفي الرواية الأخرى: "الدعاء مخ العبادة"، يعني هو رأس العبادة، يعني أهم شيء في العبادة. سواء
كان هو رأس العبادة أو هو العبادة نفسها، فهو عبادة على كل حال، فالدعاء العبادة في التوسل إلى الله سبحانه وتعالى دعاء، وجرى المسلمون على أن يدعوا الله سبحانه وتعالى بما يُرضيه عنهم، أي يطلبون رضا الله به. فتوسلوا إليه بكل عزيز لديه، فتوسلوا إليه بالأشخاص المقربين المحببين إليه سبحانه وتعالى، وتوسلوا
إليه بالأعمال الصالحات والباقيات الصالحات، وتوسلوا إليه حتى بطلب الدعاء من الغيب إليه بفعل الطاعات إذاً فالوسيلة عامة لها أفراد كثيرة ولا ينبغي أن نُحجِّر على أحد وأن نُعيِّن صنفاً معيناً من الوسيلة دون أخرى، فمما كان من شأن المسلمين أنهم توسلوا إلى الله سبحانه وتعالى بالصالحات من عمل غيرهم، يعني يقول: "اللهم إني أتوسل إليك بعمل
أبي الصالح"، يعني أنا بحثت. في عملي لم أجد ما أواجه ربي به، يمكن أن يكون عملي عند الله مقبولاً، لكن لأني أتواضع لله وأعلم حقيقة نفسي ومدى قلة حيلتي مع ربي، فإنني أرى أعمالي ليس فيها ما يستحق. أقول: يا رب أتوسل إليك بصلاتي، مع أنني أشرد ذهنياً في الصلاة. لا تصلح. حسناً يا رب أتوسل إليك بصيامي، صيامي أنا، هذا الصيام يحتاج
نزاهة كبيرة. فالشخص الذي يقول لي توسل إليك بعملك الصالح له وجه ولكن ليس له كل الوجوه. حسناً يا أخي أنا لا أرى عملي صالحاً. فيقول لي أعوذ بالله، لماذا أعوذ بالله أنني لست... متكبر؟ أعوذ بالله! تستعيذ بالله من أنني خابت نفسي مع ربي؟ أستحي من الله. تعوذ بالله من أي شيء؟ هذا لا يصح، وهذا هو ما يجري في الأسواق الآن. كل شخص يتكبر بعمله. الشريعة أتت تطالب الناس بعدم الكبر، وهم يأمرون الناس بالكبر. فقل: "اللهم إني أتوسل إليك بأن
والدي ظن حسن مني في أبي وفي عمله نعم لأنه ذمة أخرى فأتوسل إليك بعمله الصالح إن أنت تيسر لي أمري. ما شأن هذا وما علاقة هذا بالشرك؟ إنه دعاء لله وبعمل صالح لله حتى أدخل في دائرة المخبتين الخاضعين لله، ثم تقول لي هذا شرك؟ أقسم عليك هذا ليس شركاً، الإيمان وأخذ التوسل بالعمل الصالح من حديث البخاري، وفيه أن ثلاثة دخلوا غاراً (كهفاً) فسقطت عليهم صخرة فسدت
عليهم الباب فلم يكن لهم منفذ، وكانوا سيموتون داخله هكذا، فكل منهم دعا ربه بعمل صالح أخلصه لوجه الله وظن أن الله يستجيب له حينئذ، كل واحد دعا بأفضل صالح عمله هو. حديث طويل، فبعد ما دعا الأول انفرجت الصخرة، أي أن الله استجاب لكن انفراجة بسيطة. لم يستطيعوا الخروج، فلو كانت انفرجت بحيث أن جميعهم يخرجون واحداً تلو الآخر لكان الأمر هيناً، لكنها انفرجت انفراجة بسيطة هكذا، فلم يخرج أحد. وعندما دعا الثاني انفرجت الصخرة ولكن بحيث أنه...
ماذا، لم يخرج أحد أيضاً، فعندما دعا الثالث انفرجت الصخرة فخرجوا جميعاً. قال العلماء: فانتفع كل واحد منهم بعمل الآخرين وليس بعمله وحده، ورضي الله عنهم بعمل الآخرين. كل واحد منهم لم يكفِ، وما ظننت أنت أيها الداعي أنه ينجيك، لم ينجك. كل واحد منهم عندما دعا بالعمل الصالح لم... نزعجه لأنه لو الثاني والثالث لم يدعوا لكانوا جميعاً سيهلكون أيضاً. حسناً، وأنا الذي دعوت بالعمل الصالح، أنت تظن أنه صالح جداً، لكنه في الحقيقة صالح على الثلث، وهذا يعرفه الله ويعلمه، لا نحن. وإلى لقاء
آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.