سورة المائدة | ح 964 | 35 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة المائدة، وعند قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة". والوسيلة قد تكون دعاءً، وظل المسلمون يجيزون أن يتوسل أحدهم بالأنبياء، خاصةً بنبينا محمد صلى الله. عليه وسلم لعلو مقامه عند ربه ولمكانته العليا ولأنه سيد الخلق أجمعين ولأنه فوق الملائكة والجن والبشر جميعاً إلى يوم الدين ولأنه
صلى الله عليه وسلم المصطفى المختار والمجتبى من عند رب العالمين وخاتم المرسلين وحبيب الرحمن عليه الصلاة والسلام، ظلوا كذلك إلى أن خاف بعض العلماء الكبار من أن يتطرق إلى قلوب المسلمين شيء من منازعة النبي في الألوهية، وهذا ظن فاسد بعيد، فإن الله سبحانه وتعالى حمى هذه الأمة المحمدية من أن تعبد غير الله، خاصة في صورة النبي صلى الله عليه وسلم. ضلَّ من الأمة كثيرون، عبد بعضهم الحاكم بأمر الله، وعبد
بعضهم بعد ذلك البهاء. بعضهم متألهين خرجوا يدّعون الألوهية حتى أن بعضهم من الضلال عبدوا سيدنا علي وهم طائفة السبئية، وكلهم والحمد لله لم يؤثروا في عقيدة الأمة الإسلامية شيئاً، وحفظ الله النبي المصطفى من أن يعبده أحد. فلم أسمع ولا توجد فرقة من فرق المسلمين عبدت محمداً، وهذه معجزة للنبي كيف حفظه الله. قلوب الناس جميعاً أبعد من أن يقرب منهم أحد من أن يعبد محمداً. هل لأن المسلمين أتقياء أنقياء أصفياء؟ لو
كانوا كذلك لما عبدوا علياً ولا الحاكم ولا البهاء. ما من ضلالة إلا وقد كفروا وانحرفوا فيها. أهو موجود صمت؟ فهو إذن. لماذا لم يعبد أحد محمداً وهو - ولله أنه إذا كان هناك شخص يستحق العبادة حقاً، لكان النبي هو المستحق لها، ولكن هذا لم يحدث أبداً ولم يخطر على بال أحد أن يفعلها. لقد صرف الله سبحانه وتعالى قلوب الناس عن عبادة النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهذه معجزة له. معجزة من الذي يتحكم في قلوب العباد يأتي أحد المجانين فيقول: "أنا أعبد محمداً". هذا شخص مجنون يقول ذلك. لا يصح ولم يحدث مثل
هذا مع ربنا. لماذا؟ لأن الناس قد سمّوا أنفسهم بأسماء عجيبة مثل "ملك الملوك"، لكن لم أرَ أحداً سمّى نفسه "الله". لا أحد فعل ذلك، لا على سبيل السخرية ولا بسبب الجنون. لا ادَّعى الألوهية وقال: "أنا ربكم"، ولم يقل: "أنا الله"، فهو لم يستطع أن يقولها. فهناك أمور إذا تأملتها تتعجب وتعلم أن وراء هذا الكون حكيماً مدبراً سبحانه وتعالى. والنبي صلى الله عليه وسلم جلس المسلمون يتوسلون به دون إنكار من أحد: "اللهم
إني أتوسل إليك بنبيك محمد"، وقصوا قصصاً عظيمة. طويلة عريضة في هذا المجال منها في عصر الصحابة قصة الحارث قصة بلال الحارث بن بلال المزني توسل بالنبي صلى الله عليه وسلم فاستجاب الله له ومنها قصة المحمدين الثلاثة وهم من كبار العلماء ومنها قصص طويلة عريضة حتى جاء الشيخ ابن تيمية رحمه الله تعالى وألف كتابًا أسماه التوسل. والقاعدة
الجليلة في التوسل والوسيلة ونحا إلى أننا لا نتوسل بالأنبياء والأصفياء والصالحين، ويقول في هذا الكتاب: "وبعض أهل العلم لا يرى ذلك"، وبعض أهل العلم لا يرى ذلك، يعني لا يرى التوسل بالأنبياء والصالحين. وكان الشيخ الصمالوطي من علماء الأزهر الشريف، وكان يدرس الكتب السبعة، كان دائماً يدرسها في. مقابل سيدنا الحسين عليه السلام، الشيخ الصمولوطي يقول:
"فجلست أبحث عن بعض العلماء الذين لم يروا ذلك. ماذا يقول ابن تيمية وبعض أهل العلم لا يرى ذلك." فقال: "والله أنا أريد أن أعرف من هم بعض أهل العلم هؤلاء." فجلس يبحث عن بعض أهل العلم فلم يجد. الله، يبقى الشيخ ابنُ تيمية مخطئ، كان في الماضي لا يحترم العلماء. الشيخ ابن تيمية عالم فينبغي أن نحترمه. يقوم ويقول ماذا؟ ولعله يقصد نفسه. وبعض أهل العلم لا يرى ذلك. مَن هم هؤلاء؟ هو ابن تيمية نفسه، أليس هو من بعض
أهل العلم صحيح؟ إذاً لا تقل إن ابن تيمية كاذب، احذر، ما هو بعض أهل العلم لا يرى ذلك، لكن ظهر أن بعض أهل العلم هو نفسه بعض أهل العلم، وليس هناك أحد آخر. وبعض أهل العلم الذي لا يرى ذلك هو الذي لا يرى ذلك. فالوسيلة ثابتة ومستقرة، وينبغي أن نطيل فيها الكلام لأنها مما اختُزِل الإسلام فيه، ويأتي ليفعلها. لِمَنْ يَسْمَعُكَ وَأَنْتَ تَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ"، فَيَقُولُ لَكَ: "أَنْتَ مُشْرِكٌ"، وَأَنَا أُصَلِّي وَأَصُومُ وَأَحْفَظُ الْقُرْآنَ وَأُدَافِعُ عَنِ الْإِسْلَامِ وَأَحُجُّ وَأُزَكِّي وَأَفْعَلُ كُلَّ ذَلِكَ. اخْتَزَلَ الأَمْرَ، وَأَغْمَضَ
عَيْنَيْهِ وَقَالَ: "أَنْتَ مُشْرِكٌ". حَسَنًا، وَمَاذَا بَعْدَ ذَلِكَ؟ مَا الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَى هَذَا؟ يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّكَ تُفْسِدُ فِي الْأَرْضِ. لأنك مشرك، وهذا يترتب عليه أنك تستحق القتل. حسناً، فلتذهب إذن لتشتكي في المحكمة والقاضي يحكم عليّ بالقتل. قال: لا. فسألته: ولماذا كل هذه الدورة الطويلة؟ فأنا أقتلك. قلت له: يعني أنت الخصم وأنت الحكم وأنت المنفذ وأنت الداعية وكل خلق الله هم الكفار؟ قال: الذي... حدث ذلك. حسناً، ماذا أفعل لكم؟ حسناً، هؤلاء العلماء هم علماء ضلالة،
كل هؤلاء العلماء ضلالة. قال: نعم، وهناك بعض أهل العلم لا يحفظك الله. فبدأنا: الضريح الذي في المسجد حرام. لا، ليس حراماً. هذا شرك. لا، ليس شركاً. هذا خروج عن الملة. لا، ليس خروجاً عن الملة. هذا مستوجب. التدمير؟ مَن الذي يذهب من طنجة إلى جاكارتا؟ مليار ونصف إلا قليلاً، هكذا يذهبون، كلهم مشركون! إذاً، عندما يُفجِّر شيئاً ما في الطريق وتموت أطفال ونساء وغيرهم، أيكونون قد ماتوا دون فائدة؟ لماذا؟ لأنكم جميعاً مشركون وجميعكم تذهبون إلى سيدنا الحسين!
وسوَّل له الشيطان هذا، فقتل المؤمنين قبل القتل. الكفر أيضاً، فما بالك ما الذي سأفعله مع الناس أجمعين؟ هذا هو بإمكانه مع المسلمين، داخل المسلمين، ذهب بعضهم للجهاد في أفغانستان والاحتلال الشيوعي في البلاد، وإذا احتل أحدهم وطني فإنني سأجاهد في سبيل الله لطرد المحتل، مشروع جهاد وكفاح مسلح مشروع، فلما ذهبوا إلى هناك وجدوا الأفغان يتوسلون إلى بنبيه اللهم إنا نتوسل إليك بمحمد أن تنصرنا - فإذا قلتم ذلك - تكونون
مشركين وسنحاربكم قبل الشيعة. وهكذا يتبين لنا أن هذه الآية الجميلة اللطيفة معيار من أجل طرد هذه الأفكار التي تتداعى وكلها في طريق النار. وابتغوا إليه الوسيلة، وإن الوسيلة على رأسها هو سيدنا النبي المصطفى والحبيب وسلم وإلى لقاء آخر نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته