سورة المائدة | ح 966 | 36 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة المائدة يقول ربنا سبحانه وتعالى: ﴿إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعاً ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم ولهم عذاب أليم﴾ هنا ينزل الله سبحانه وتعالى الكتاب ويتكلم عن الكافرين ويكلمهم بعقليتهم ليس بلغتهم فقط بل بتركيبة نفسهم وشخصيتهم وبطريقة
تفكيرهم، فالكافر لا يرى إلا المادة المحيطة به فلا يرى إلا ما في الأرض، والكافر لا يرى إلا ما هو قابل للتملك في الحياة الدنيا، والكافر غاية أمله أن يمتلك هذه. الدنيا والكافر مهما بلغ ثراؤه ومهما بلغ ملكه ومهما بلغ ملكه فإنه لا يستطيع أن يملك ما في الأرض جميعاً، فكون أحد من الناس
يملك جميع ما في الأرض أمر لم يحصل منذ ما خلق الله الخلق إلى يوم الناس هذا، يمتلكونها بالمئات أو بالآلاف أو بالملايين أو بالمليارات لكنه... لا يملك ولو جزءاً ضئيلاً من هذه الأرض، ونشأت بعد ذلك شخصيات اعتبارية، شركات عابرة للقارات، فلم تملك الأرض. وحدثت تحالفات بين هذه الشركات التي وصل رأس مالها إلى تريليون، يعني ألف مليار، يعني مليون مليون، أو
عدة من التريليونات، ولكنها لم تملك الأرض. فغاية الأمر عند الإنسان كإنسان خاصة. الكافر الذي لا يرى إلا ما يملك في الحياة الدنيا في ملكه أو أن يكون قادرا عليه أو أن يكون في سلطانه. غاية ذلك: يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون. والنبي صلى الله عليه وسلم يصف هذا الحال بين الكافر والمؤمن فيقول: "الدنيا سجن المؤمن وجنة".
الكافر يعني الكافر جنته هي هذه، وعندما تكلموا عن الجنة ولأنه لا يؤمن بالله ولا يؤمن باليوم الآخر فإنه يطرد فكرة الجنة من حسابه ومن فكره فلا يبقى له إلا هذه الدنيا ويرى فيها جنته. يريد أن يعيش هنا، ومما يُروى في القصص أن الإمام ابن حجر العسقلاني أمير المؤمنين في الحديث شارح البخاري في كتابه الماتع "فتح الباري شرح صحيح البخاري" كان قاضي القضاة يرتدي شيئًا كانوا يسمونه جبة سمور،
والسمور هذا هو نوع من أنواع الفرو الغالي، وركب برذوناً، والبرذون هذا يعني حصاناً محترفاً كسيارة مرسيدس في هذه الأيام، شيئاً فخيماً، فاعترضه زيات من... أهل كتاب يبيع الزيت، وبيع الزيت في ذلك الوقت معناه أنه من العمال الفقراء، يعني لا يأخذ له مصروفاً في اليوم ولا قرشاً ولا شيئاً. قال له: "يا قاضي القضاة"، قال: "نعم"، قال: "ألم يقل نبيكم أن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر؟"، قال: "بلى،
أخرجه مسلم"، هذا ما ذكره الشيخ ابن حجر. أخرجه مسلم قال: فأي جنة أنا فيها وأي سجن أنت فيه؟ أنتم تقولون عني أنني لست مؤمناً، قل أنك مؤمن، طيب، إذاً أنا الآن في الجنة أين؟ وأنت في النار. قال له: لو اطلعت على ما أعد الله لك من العذاب يوم القيامة فإنك... في الجنة، ولو اطلعت على ما أعده الله لي من النعيم فأنا في سجن، فأسلم الرجل. ما هو لا يوجد شيء يمنع من إسلامه، فأصل الأمر أن المسلمين جميعهم في عزة وفي علم وفي قوة. فهذه اللفتة يستغربها بعض الناس يعني كيف أسلم هكذا مباشرة، أسلم لأن كل أمر واضح، فالحكاية ليست. بينه وبين الإسلام
إلا أن يلتفت لمعنى مثل هذا المعنى الجليل، وهو أننا ينبغي ألا نجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا. وقد ورد في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم لا تجعل الدنيا مبلغ علمنا ولا غاية عملنا". الكافر والمؤمن عندما يُرِد الله سبحانه وتعالى هذا بشأن الكافر. يخاطبه حتى يرجع ويخاطبه بعقله ويقول له: هل تستطيع أن تمتلك الأرض؟ لم يستطع أحد أن يفعلها في العالم عبر القرون، لا ملك ولا مالك استطاع أنه... طيب ما رأيك أيضاً، وحدة ستمتلك الأرض وأيضاً واحدة معها؟ قالوا له: هذا يكون كثيراً، يكون
كثيراً. قال له: لو افتديت نفسك يوم... القيامة بهذا الكثير الذي لا تتصوره ولا تتمناه حتى. ما هو الكافر يتمنى المستطاع وإن كان كثيراً مليارات وتريليونات وهكذا، لكن سيقول لك: الأرض كيف؟ حسناً، لا، أنت ستمتلك الأرض وتمتلك واحدة مثلها، ثم تأتي وتعوضها عما هو منتظرك يوم القيامة فلا يقبل منك. تهزمه هذا كله. سيضيع مني، وكمال المشهد سيضيع مني، وبالإضافة إلى ذلك فقد انتهى الأمر، لقد قدمه فعلاً، قدمه وتخلى عنه، وهذه مسألة شديدة على الكافر، ولكنه بعد هذا فإنه لن يُقبل منه. إن الذين
كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعاً ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تُقبل. منه خسروه وفي النهاية تعذبوا أيضاً ولهم عذاب أليم. إذاً فهذه الآية موجهة إلى الكافرين بعقليتهم، فهناك فرق بين العقلية واللغة. العقلية كيف يفكر ونفسيته كيف هي، من أجل أن يهزه من أجل أن يعود إلى الإيمان، وموجهة أيضاً إلى المؤمنين ليشعروا بنعمة الله عليهم ومدى هذه النعمة وأنهم وأن لم يملكوا ما في الأرض جميعا لكنهم
يدخر لهم الأجر يوم القيامة الذي هو يفوق ملك الأرض ومثلها معه وكل هذا يصل إليه بالنية الخالصة لله مخلصين له الدين يصل إليه بالعبادة يصل إليه بالطاعة يصل إليه بالإيمان بالعمل الصالح فيعرف المؤمن من هذه الآية مدى رحمة الله سبحانه وتعالى له ونأخذ من هذا أساساً من أسس فهم القرآن أن كل آية قد يكون لها خطاب نعم أن تتكلم عنه ولكن ابحث
عن خطابها لك أنت دائماً هكذا كل الأيام قف عندها وانظر هذه آية تخاطب الكافرين أو تتكلم عن الكافرين أو تتكلم عن الأمم السابقة أو تتحدث عن أهل الكتاب أو تتحدث عنا كأمة أين خطابها له لماذا فتستنبت الشيء من ضده كما قالوا وبضدها تتميز الأشياء. شخص يمدح أو يغازل امرأة فقال: الوجه مثل الصبح أبيض والشعر مثل الليل أسود، ضدان لما اجتمعا أظهرا الحسن، والضد يُظهر حسنه الضد.
فدائماً أنت ترى كيف تستفيد من... الشيء بضده، وأنت تقرأ القرآن، وإلى لقاء آخر نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.