سورة المائدة | ح 969 | 38 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة المائدة يقول ربنا سبحانه وتعالى وهو ينعى على جريمة السرقة ويجعلها من الكبائر ويجعلها تهدد الاجتماع البشري وتقدح في مقصد من مقاصد الشريعة العليا وهو حفظ الملك والسارق والسارقة. تُقطَعُ أيديهما جزاءً بما كسبا نكالًا من الله والله عزيز حكيم. والسارق والسارقة من أسماء الأفعال، وأسماء الأفعال حقيقة في الحاضر باتفاق،
ومجاز في المستقبل باتفاق. أما دلالتها على الماضي فقد اختلفوا فيها على ثلاثة أقوال فيما إذا كانت حقيقة أم مجازًا، فبعضهم قال دلالتها على الماضي حقيقة، وبعضهم قال مجازفة، وبعضهم قال إذا كان اسم الفاعل من فعل يستمر فهو حقيقة، أو من فعل لا يستمر فهو مجازفة. انقسمت، يعني عندنا حاضر ومستقبل وماض، فهو باتفاق العلماء والعقلاء حقيقة في ماذا؟ في الحاضر.
متكلم، أنا وأنا أتكلم هكذا حقيقة، أتكلم حقيقة، ليست مجازية. طيب، سأتكلم غداً فيكون مجازياً. أنا متكلم غدًا يعني متكلم ولكن ليس الآن، فيكون باعتبار ما سيكون. طيب، كنت متكلمًا بالأمس فقال بعض العلماء: ما دمت تكلمت فعلًا فأنت متكلم حقيقةً. بعض الناس قال: لكنك سكتَّ فأنت الآن لست متكلمًا، فهذا ما هو واقع. بعضهم قال: لا، هناك فرق بين... الجلوس أنا جالس ممتد، وهو يمكن أن نبقى هكذا ساعة أو ساعتين أو ثلاثة، ويصبح ذلك حقيقة للماضي، لكن إذا كان غير ذلك
فيكون بالعكس. كيف ذلك؟ قال: إن المستدام إذا انقطع لا يصبح مستدامًا، فيكون ما جاز لكن شأنه الانقطاع، خلاص انقطع، فيصبح ذلك حقيقة لأنه لا يبقى له والسارقة أما الذي أين في هذه القصة الذي سيسرق غداً أو الذي أمسكناه وهو يسرق أو ربما يكون قد سرق بالأمس؟ نحن نقول هذا الكلام لكي نفهم السارق والسارقة، وهل هؤلاء السارقون والسارقات قاموا بالسرقة أمس أم يقومون بها اليوم أم من الممكن أن تكون غداً، يعني شخص قال: يا غداً يصبح سارقاً قبضنا عليه وسجلنا
عليه، وإذا قبضنا عليه لا يصبح سارقاً بل ذلك باتفاق، حسناً، وإذا ذهبنا وقبضنا عليه وهو يسرق، فهو سارق باتفاق لا جدال في ذلك. حسناً، إذا سرق في السنة الماضية، فهل هو سارق يدخل في هذا الحكم أم لا؟ فالعلماء قالوا نعم، يكون سارقاً فعند الذين قالوا حقيقة مطلقاً ستكون حقيقة عند الذين قالوا عندما يكون العمل منتهياً أيضاً تكون حقيقة. حتى الذين قالوا أن السرق هذا يمكن أن يكون مجازاً قالوا يدخلون هنا في كلمة السارق الحقيقة والمجاز أيضاً. يُقطع ماذا؟ شرط
السارق ما هو؟ قال لك: درء الحدود بالشبهات، لا يجب أن تسرق من شيء مغلق محفوظ، تفتح خزانة، تفتح شقة، تفتح ثلاجة، أي تفتح شيئًا ما. لكن إذا وجدت في الطريق مئة جنيه، فهذه ليست سرقة بل لقطة. قال: طيب، أنا رأيت الرجل وقد سقطت منه. آه، هذه تصبح خيانة أمانة. قال: طيب، أنا اختلست من الخزينة التي أعمل بها. فيها قال: "نعم، فهذا يكون اختلاساً، حلالٌ أم حرام؟ حرام، لكن ليس صادقاً. إنها السرقة، وهي ليست فقط اعتداءً
على المال، بل هي أيضاً خسَّة ونذالة ونوع من أنواع التخويف." حدث فيها، قال: "يُشترط في المال الذي أخذته هذا ألا يكون، ألا يكون لك فيه شبهة." فالزوجة عندما تأخذ مال زوجها لا نسميها سارقة، يمكن أن نسميها مفترية لكن لا نسميها سارقة. والولد عندما يأخذ مال أبيه لا يستطيع القاضي أن يحكم عليه بقطع اليد لأنه ولد داخل النظام الأبوي الخاص بالبيت. لكن هذا في البيت، أما السارق فهو ينبغي أن يكون
الذي أخذه. حتى لو كان حراماً أن يكون ليس له شبهة فيه، ولذلك قالوا: لو أن الشريك أخذ المال الخاص بالشركة التي هو شريك فيها، لا تكون سرقة. والزوجة مع الزوج ليست سرقة، والابن مع الأب أو الأب مع الابن ليست سرقة. لماذا؟ هي في حقيقتها حرام واعتداء على المال، لكن نحن... أصل إزاء حد والشرع يضيق الحدود جداً، الحد سيدنا رسول الله يضيقه جداً، معمول لبيان عظمة الجرم وأنه من الكبائر، ليس معمولاً للانتقام. ولذلك عندما جاءه أحدهم
يعترف بذنب يستوجب حداً، أشاح بوجهه كأنه لم يسمع، فجاءه مرة ثانية وثالثة ورابعة، فقال له: "أمجنون أنت؟" وأحاله على اللجنة الطبية بلغة العصا وأتى بقومه لعله يوجد منفذ أن يقولوا نعم هذا يعني ضعيف هكذا، كان يقول اذهب فأنت تتخيل أنك مشغول، حتى ما إذا أُقيم عليه الحد وفرّ ورجع عن إقراره بالذنب، قُبِل منه ذلك وقال: "هلا تركتموه"، لماذا يُضيَّق الحد جداً؟ إذن ما فائدة الحد؟ قال: لا تقع في الذنب أن تعلم أنك إذا سرقت فأنت في
دائرة المجرمين الذين قد ارتكبوا كبيرة من الكبائر تستحق في الشرع أن تُقطع يدك، فلا تُقدم على هذه الجريمة. أما لو أنه سرق واعترف ولم يرجع وما إلى ذلك، نُفِّذ فيه الحد: "والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما"، كلمة اليد. من أطراف الأصابع حتى نهاية الكف، ارسم الكف في ذهنك هكذا. الكف في نهاية الكتف ستزيد تاء. الفرق بين الكف والكتف حرف واحد. يقول لك: اليد هي ماذا؟
من أطراف الأصابع إلى نهاية الكف أو الكتف؟ تختلف. نهاية الكف تكون عند، ونهاية الكتف تكون اليد كلها، فتكون اليد. تُطلَق على أشياء كثيرة وعلى أشياء قليلة، والشرع الشريف بنى الحدود على التضييق، إذاً فهي إلى الكف لا إلى الكتف. انظر إلى القاعدة: الشرع الشريف بنى الحدود على التضييق. دائماً ماذا يعطيك هكذا؟ درء الحدود بالشبهات. فلان وعلان وتركان وسلان ممن اعتدى على الأمن ليس بسارق، ثم عندما تأتي لتقطع، ما هو النص يقول يده، لا نقطع عليه من هنا، قال
له: "الله يقطعها عنه"، من أين؟ فكأنك فهمت أن الشرع قد بنى الحدود على التوسع، وهو ليس كذلك. إنه بنى الحدود على التضييق. إذاً أنت لم تفهم الشرع، عندما تقول: من الأطراف إلى الكتف أم لا؟ نعم، موجود. في القاموس هكذا من الأطراف الأصابع إلى الكف أو إلى الكتف، يمكنك أن تختار إلى الكتف. القرآن يتحملها، لا يقلل منها. يديهما قال لا، فهذا يعني أنك لست فاهماً للشريعة ولا فاهماً مقصد الشريعة ولا فاهماً مقصد العقوبة ولا فاهماً شيئاً على الإطلاق. هذا إلى الكاتب ممنوعة إلى الكافية، ولو انظر الآن كيف أن الفقه، وهو يبني عقليتنا،
أفتى بأن من أطراف الأصابع إلى الكتف ضامنة، فيكون المفتي هذا قد اعتدى على المجرم اعتداءً يستوجب الضمان، وفي اليد نصف الدية، فماذا سيدفع إذاً؟ نصف الدية إذا كان مخطئاً في اجتهاده، أما إذا كان متعمداً فيكون فيها قصاص، نعم فيها قصاص نقف عند اسم الفعل ونعرف مبادئه، ونقف عند معنى السرقة وشروط الحدود، ثم بعد ذلك نرى مفهوم بناء هذه الحدود، ونجعل اليد مضيقة من أطراف الأصابع
إلى الكف، نهاية العظم الذي يلي الإبهام (الكوع)، ونهاية العظم التي تلي البنصر (الكرسوع)، أي في الكوع والكرسوع اللذين هما هذان العظمان. هذه ومن هنا يتم القطع والمقصود بقطع اليد قطع اليد فقط بحيث لا يموت، فإذا قُطِعت ونَزَفت فلا بد أن يُحسن - أي يوقف - النزيف، فإن كنت في مكان لا تستطيع فيه إيقاف النزيف أوقفت الحد، فلا يوجد حد إن كنت في حال لا
تستطيع فيه إقامة الحد في الحرب قال يوقف، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا حدود في الحرب". فإن كنت في وقت التبست فيه الأمور أوقفت الحد، فقد أوقف عمر الحد في عام الرمادة. ولذلك أوقف المصريون الحد عند التباس العصر. وإلى لقاء آخر، نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.