سورة المائدة | ح 972 | 40 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة المائدة يقول ربنا سبحانه وتعالى: "ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء والله على كل شيء قدير". فذكر الله سبحانه وتعالى ثلاث. حقائق: الحقيقة الأولى أن الله له ملك السماوات والأرض. الحقيقة الثانية أنه سبحانه وتعالى يعذب من يشاء ويغفر لمن
يشاء وأن الأمر كله بيد الله. الحقيقة الثالثة أن الله سبحانه وتعالى على كل شيء قدير. تكلمنا في حلقة ماضية عن الحقيقة الأولى وأننا إذا سلمنا بهذه الحقيقة وبنينا عليها. معيشتنا وعشنا بها وفيها ومعها فإن الأمر سيختلف في علاقتنا مع الله ومع الناس ومع النفس. الحقيقة الثانية تبين لنا أن الأمر كله بيد الله خاصة فيما أمر ونهى وكلف سبحانه وتعالى، فهو يعذب
من يشاء ويغفر لمن يشاء. فالله سبحانه وتعالى بهذه الآية لو عشنا بها وفيها ومعها واعتقدنا. إنها حقيقة لا يجرؤ أحد منا أن يذنب قط، ولو أنك جعلت هذه الحقيقة أساساً لحياتك تنطلق منها لارتعدت فرائصك عندما تفعل الذنب، ولا يتم منك ذنب إلا عند غفلة، ولا يتم منك ذنب إلا عند نسيان، ولا يتم منك ذنب إلا عند عدم قدرة على
أن تضبط. نفسك لكن وأنت قاصد عالِم مختار لا يمكن، لأنك لو ارتكبت الذنب مع إيمانك بهذه الحقيقة لا تعرف ما في نفس الله. تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك. خلاص وأنت تعرف ربنا يغفر لك أم لا؟ لا تعرف. هل هو سيتصرف في ملكه ولن يغفر لك؟ تبقى... مسرورة! حسناً، وبعد ذلك، هذا فيه خطر داهم،
والخطر الداهم عندما ينبه إليه الإنسان يحدث له قلق ويحدث له خوف وتوجس ويحدث له تردد وإحجام. فلو قال: يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء، توجست: هل أكون من طائفة المعذبين أو من طائفة المغفور لهم بإذن الله تعالى؟ لست معروضاً على أعرف وحينئذ ترتدع وتنسحب من الذنب ولا تستطيع أصلاً أن تفعل الذنب إذا آمنت وعشت في
هذه الحالة ولكن أكثر الناس لا يعلمون. فإذا حول الحقيقة إلى منطلق لا بفهمها فقط ولا بالإيمان بها فقط ولكن بالعيش فيها ومعها. فنحن أولاً نفهم، وثانياً نصدق ونؤمن، وثالثاً... نعيش بطريقة تؤثر في سلوكنا، فلو عرفت هذه الحقيقة وحولتها إلى موجه لحياتك لم تفعل ذنباً قط وأنت عالم
قاصد مختار. نعم، من الممكن أن تفعل ذنباً وأنت مكره، ومن الممكن أن تفعل الذنب وأنت جاهل، ويمكن أن تفعل الذنب من قصور بشري من غير قصد، فإذا فعلت ذلك وتنبهت ورجعت وعزمت على أن لا تعود لمثل هذا أبداً. أما إذا لم تكن هذه الحقيقة حاضرة في ذهنك فإنك ترتكب الذنب وأنت تعرف أنه ذنب، ثم تبكي بعد ذلك، تتضايق بعد ذلك. حسناً، كل بني آدم خطّاء وخير الخطائين التوابون. الحقيقة الثالثة أن الله على كل شيء قدير، وهذه
الحقيقة... نعرفها جميعاً ونؤمن بها جميعاً لكنَّ القليل منا مَن يعيش فيها. هذه الحقيقة لو عرفتها لالتجأت إلى الله سبحانه وتعالى في كل كبيرة وصغيرة، لأن الله هنا أطلق ولم يقيد، عمَّم ولم يخصص، وجعل الأمر أنه سبحانه على كل شيء قدير، يعني ليس هو قديراً على شيء دون شيء ولا... هو قدير في يوم دون
يوم ولا مع بعض الأفراد دون آخرين ولا في بعض الأحوال دون أحوال أخرى، بل إنه سبحانه وتعالى على كل شيء. وكلمة "شيء" هنا أرجعتنا إلى الكينونة، يعني شخص موجود في زمان محصور في مكان له حال. الزمان والمكان والأشخاص والأحوال أربع جهات لكلمة "شيء". هو على كل شيء قدير، على الزمان وقدير على المكان وقدير على الأشخاص وقدير على الأحوال. والزمان عندنا يأتي من دوران الأفلاك، الأرض تدور حول نفسها وتدور حول الشمس،
فتصنع الليل والنهار وتصنع الصيف والشتاء. هو قادر على أن يوقف الأرض، ولذلك يوم من أيام الدجال يكون. سنة كاملة، الصباح والليل سنقيم فيه ستة أشهر وستة أشهر، نسأل الله أن ينجينا. فقالوا له: "يا رسول الله، أتكفينا صلاة يوم؟" قال: "لا، قدِّروا لها بالساعة". فأخذنا هذا الحديث وقدّرنا بالساعة الصيام والصلاة في البلاد التي اختلت فيها المواقيت، البلاد الإسكندنافية وشمال القطب وما إلى ذلك، عندما تختل المواقيت. قم لنأخذ بالتقدير لماذا من حديث الدجال الذي يقول لك شخص ما: "لا، ارموا هذا الحديث". نحن لا نرمي
شيئاً. كل ما نطق به سيدنا محمد ينفعنا، ولن نرمي شيئاً. ارموا ما تريدون أن ترموه، وإلى لقاء آخر. نستودعكم الله، والسلام عليكم