سورة المائدة | ح 973 | 41 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

سورة المائدة | ح 973 | 41 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة - تفسير, سورة المائدة
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة المائدة يقول ربنا سبحانه وتعالى: "يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم له من الله شيئاً، أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم، لهم في الدنيا خزي ولهم
في الآخرة عذاب عظيم. هذه آية عظيمة في كتاب الله سبحانه وتعالى، وكل آيات القرآن عظيمة، والقرآن عظيم. وهنا يوجه الخطاب إلى سيد الكائنات صلى الله عليه وآله وسلم: يا أيها الرسول قال. العلماءُ أنَّه كلما وُجِّه إلى سيدنا الرسولِ صلى الله عليه وسلم فيما لا يختصُّ به من حُكمٍ في بعض الأحكام تختصُّ بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما هو الحال في الزواج، كما هو الحال في قيام الليل كان فرضاً على رسول الله وليس
فرضاً على الأمة، وهكذا فكل ما توجه إلى الرسول يرثه فيه العلماء وهو يقول: "العلماء ورثة الأنبياء"، فإذا أمره بالصبر وأن يتجاوز أخطاء الآخرين وأمره بالعفو وبالصفح وأمره بأن لا يحزن وأمره بأن لا تذهب نفسه عليهم حسرات وأن لا يبخع نفسه عليهم (أي لا يهلك نفسه عليهم) وأمره بالديمومة في العمل، فإن كل ذلك حَمَلَةُ الدِّينِ مِنْ بَعْدِهِ، وَحَمَلَةُ الدِّينِ هُمُ العُلَمَاءُ،
وَاللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُقِيمُ العُلَمَاءَ فِيمَا أَقَامَ فِيهِ الأَنْبِيَاءَ، وَفِي الحَدِيثِ: "عُلَمَاءُ أُمَّتِي كَأَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ". يَقُومُ النَّبِيُّ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ بِتَفْسِيرِ الدِّينِ، وَيَقُومُ النَّبِيُّ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ بِالاتِّصَالِ مَعَ الشَّعْبِ، مَعَ الجُمْهُورِ، مِنْ أَجْلِ أَنْ يُبْقِيَ الدِّينَ فِيهِمْ، وَلَكِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى عليه وسلم قد خُتمت به النبوة والرسالة، فمن يقوم بمثل هذا؟ الناس في حاجة إلى بيان، وفي حاجة إلى رحمة، وفي حاجة إلى دعاء،
وفي حاجة إلى تفسير، وفي حاجة إلى معرفة حُكم الله ومراده. من الذي يقوم بهذا في أمة النبي المصطفى؟ العلماء. فمقام العلماء مقام خطير، كله سلطة. وكله مسؤولية، ولذلك فإن ما ربَّى الله به عليه نبيه وأنبياءه فإنما هو أيضاً موجه إلى العلماء، حتى وإن لم يصلوا إلى درجة النبوة وإلى الحفظ التام وإلى العصمة الإلهية لهؤلاء المبلغين عن رب العالمين، إلا أن عليهم مسؤولية كبيرة يجب
عليهم فيها تقوى الله. ومن هذه التربية التي ربَّى ربُّنا يُربي فيها نبيَّه، وبالتالي يُربي عليها علماءَ الأمة، فيقول: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ﴾. فعلى الدعاة إلى الله وعلى العلماء ألا يحزنهم الذين يسارعون في الكفر. كثير جداً من العلماء تأتي فتشتكي: انظر ماذا يقولون عنا هنا، انظر كيف يحاربوننا، ويحاربون رموز الدين، ويسارعون في لا تحزن إذا كان سيد المرسلين ربنا رباه على هذا، لا يحزن. إنما كان سيد
المرسلين لا يغضب ويقول: "لا تغضب ولك الجنة"، لكنه إذا انتُهكت حرمات الله غضب. وكان سيد المرسلين رحمة للعالمين، لكنه لا يقبل الظلم أبداً في قوة وشدة. وكان فارساً بالنهار راهباً بالليل، كان يقوم الليل. حتى تتورم قدماه يا رسول الله، ألم يغفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ يا عائشة، أفلا أكون عبداً شكوراً؟ ولكننا كنا إذا اشتد الوطيس (احتدمت المعركة) احتمينا برسول الله صلى الله عليه وسلم. أسود! ومَن إذاً الذين احتمينا بهم؟ إنهم حمزة وعلي وعمر الذين
هم أبطال الدنيا، برسول الله من شدة قوته في جسده ونفسيته، إذا اشتد الوطيس في الحرب احتمينا برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يقول: "أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب". شرف وفخر وفخار أنه نبي من عند الله، وكفى بها فخرة، وهو مصطفى مختار من خيار من خيار من خيار. ما أرسل الله نبياً للناس كذاباً، وما أرسل نبياً من أداني الناس وأسافلهم، وما أرسله مجرماً تائباً عائداً إلى الله، لكن كان يفتخر بأنه الأسد
الهصور. وهنا لا بد على العلماء من ألا تحزن قلوبهم من العدوان عليهم، وإن كانوا أسوداً فالأسد أسد والكلاب كلاب، وهنا لا يحزنك الذين. يسارعون في الكفر، هؤلاء أناس قد بلغوا في الكفر ما لا تسأل عنهم ولا تحزن عليهم أبداً. إنهم من الذين قالوا آمنا بأفواههم. عندما تقول لهم إن ما تفعلونه هذا كذب وكفر وأنتم لا زلتم تقولون إننا مؤمنون، يقولون: أتكفروننا؟ لسنا نحن من كفرناكم، بل أنتم من
تكفرون أنفسكم، أنتم لا يعجبكم حاجبنا ولا يعجبكم حكم النبي المصطفى، حسناً نحن ما شأننا؟ أنت الذي تكفِّر الروح، لست أنا من الذين كفروا، بل من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم. إذاً هي حالة معروفة منذ خلق آدم، تحدث عنها القرآن، تحدث عن طائفة المنافقين، إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار وإلى لقاء آخر، نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.