سورة المائدة | ح 974 | 41 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة المائدة، وربنا سبحانه وتعالى يقول: "يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم"، ونجد على كلمة "قلوبهم" ثلاث نقط ومن. الذين هادوا ونجد على كلمة هادوا ثلاث نقط أيضاً، وهذه تُسمى علامة التعانق، أي من المستحسن بل هو الأفضل أنك عندما تقرأ القرآن ووجدت علامة التعانق، أن تقف على أحدهما دون الآخر. فإذا
لم تقف على كلمة قلوبهم، إذا وقفت عليها لا تقف عند هادوا، استمر في التلاوة، وإذا لم... تقف على قلوبهم، فلا بد عليك أن تقف عند "الذين هادوا" الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم، وستجدهم واقفين. "ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوهم". إذن "هادوا" لا نتوقف عندها، بل نمضي مباشرة. إذن لا يصح أن نقول "ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا". سماعون، لا تقل هكذا، يمكنك القول "ولم تؤمن قلوبهم ومن
الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم لم يأتوا". وما معنى ذلك؟ لو وقفت على الأولى فهذا يعني أنها فرقة، "والذين هادوا سماعون للكذب" يعني أن صفة "سماعون للكذب" مختصة بفئة اليهود، فربنا وصف هذه الفئة من اليهود بأنهم سماعون لكن لو استمررت وجمعت ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هاجوا، يجب أن تقف الآن. لماذا؟ لأنهم يأتون ليسمعوا الكذب، يسمعون لقوم لم يأتوا. تصف الاثنين، تصف المنافقين واليهود. علامة التعمق
من الذي أتى بها؟ المفسرون. علامة التعمق وكل العلامات هي علامات الوقف، أحضرناها ولم نجدها في مصاحف سيدنا عثمان. مصاحف أخذ واحداً لنفسه باعتباره الخليفة، وهذا واحد للمدينة، فهو في المدينة لكنه أرسله إلى المدينة، يعني هذا مصحف للأمة، وذاك واحد للكوفة، وذاك واحد للبصرة، وذاك واحد للشام، وأرسل مع كل مصحف قارئاً يقرأ له، ورُسم هذا المصحف طبقاً للقراءات هذه، عندما فتحنا هذه المصاحف، هذه المصاحف وصلتنا أو...
وصل إلينا المنسوخ منها قطعاً، والباقي منها الآن أربعة: واحد في المشهد الحسيني هنا عند سيدنا الحسين في مصر، واثنان في تركيا، واحد في طبكابي وواحد في المتحف، وواحد في تشقند، لكن نسخة تشقند فُقِدَت منها بعض الصفحات. فيكون معنا كم؟ أربعة. هذه النسخ الأربع إما أن تكون من مصاحف الذي كتبهم إما بعضهم تابع لسيدنا عثمان، وأقدم شيء فيهم هو المصحف الخاص بالمشهد الحسيني الذي عندنا هنا. وإما أن يكونوا منسوخين مباشرة من مصحف سيدنا عثمان، لأنه ليس من الممكن أن تتجاوز نسخهم سنة أربعين هجرية، ليس من
الممكن أن تتجاوز سنة أربعين هجرية. فما معنى ذلك؟ إنه قريب عشرة هجرية أو شيء من هذا القبيل فيكون أربعين يعني في ثلاثين سنة التي كُتب فيها المصحف، صحف أبي بكر. وصحف أبي بكر هذه بعده أخذها سيدنا عمر، وبعد سيدنا عمر لم تكن مجلدة بل كانت أوراقًا موضوعة هكذا فسميت الصحف. بعد سيدنا عمر ذهبت إلى السيدة حفصة، والسيدة حفصة أرسلها وقال لها: "أحضري لي الصحف التي لديكِ لنصنع منها المصاحف". المصاحف هي التي تم تجليدها وأصبحت في مجلد هكذا، فأصبح مصحف سيدنا عثمان، حيث إنه أول من جلد هذه الأوراق، ثم صنع من هذا المصحف ست نسخ، خمسة في
الأمصار وواحداً خصّه لنفسه، ثم نُقلت من هذه المصاحف. أصبحت المصاحف للخلفاء وللأئمة وهكذا، والحمد لله أن وصل إلينا أربعة حتى الآن، أربعة في العصر الأموي غير العباسي. بدأوا في العصر العباسي يكتبون بطريقة أفقية، لكن في العصر الأموي كان مكتوباً بطريقة رأسية. عندما رأيناها لم نجد فيها أي علامات، لا علامة وقف، ولا صلة، ولا قلة، ولا جيم، تعانُق ليس طيباً ولا تاماً ولا كافياً ولا أي شيء، فالعلامات كلها جاءت لاحقاً، ولم نجد فيها نقاطاً، النقطة التي على الذال والتي على التاء والتي تحت الياء غير موجودة، ووجدناهم
كانوا يكتبون في نهاية السطر نصف الكلمة وفي بداية السطر بقيتها، "الأرض" يكتبون الألف واللام والألف الثانية في نهاية والراء والضاد في أول السطر الثاني يعني وهكذا، ولكنهم التزموا برسم هو رسم المصحف الذي معنا هذا. تجد "إبراهيم" ليس فيها ياء في سورة البقرة وفيها ياء في سائر القرآن، طيب لماذا؟ ولذلك مالك والجمهور معه، الأئمة معه، يرون أن رسم المصحف توقيفي. ما خصوصية ذلك يعني؟ وقالوا رسمه معجز كما أن نظمه معجز في نفسه فسنحافظ على هذا، حسناً، والعلامات أصبحت بعد
ذلك. جاء أبو الأسود الدؤلي والخليل بن أحمد وأبو بكر بن عياش وقسموه إلى ثلاثين جزءاً، وبعد ذلك المسلمون قسموه إلى حزبين وأربع تربيعات وهكذا، ووضعوا العلامات هذه كلها يعني لخدمة القراءة، لكن الصحابة ما لم أفعل ذلك. من إذاً؟ من أين أحضرتموه؟ ما المصدر إذاً؟ قال من التفسير: طيب، "ومن الذين هادوا سماعون للكذب". طوال عمرهم "سماعون للكذب"، يسمعون ويستجيبون، يسمعون ويجلسون. يسمع، ربنا وصفهم بذلك. "ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير". ليس لأنهم يهود، لا، فسيدنا موسى نبي من أنبياء
المسلمين، وإنما صفاتٌ نهى الله عنها تمسكوا بها: الكذب واللواء، ويظن نفسه أنه أذكى من الآخرين، واغتصاب الأرض. من يفعل ذلك سواء كان مسلماً أو يهودياً أو مسيحياً أو هندوسياً سيكون مغضوباً عليه من الله سبحانه وتعالى. وإلى لقاء آخر، نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.