سورة المائدة | ح 979 | 44 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة المائدة يقول ربنا سبحانه وتعالى: "وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين". يعني إن بعض الناس في الظاهر يريدون أن يتحاكموا. إلى كتاب الله وفي الحقيقة هو يريد أن يهرب من كتاب الله. عندهم التوراة واضحة محددة جلية، يتركونها ويذهبون إلى
النبي صلى الله عليه وسلم عسى أن يحكم بشيء هو أخف منه. فإن حكم بشيء هو أخف منها تحججوا وقالوا: "والله محمد فعل هكذا"، فيكون محمد في هذا الموضع وأن... حكم بمثلها قالوا: حسناً، وأنت ماذا أحضرت من عندك؟ نحن لدينا أيضاً مثل هذا. وإن حكم بما هو أشد منها تركوه وقالوا: لا، ديننا أفضل. حسناً، ولماذا تأتون إليه وعندكم التوراة فيها حكم الله بوضوح وتحديد؟ لماذا تأتون إلى النبي عسى أن تصيبوا شيئاً من ذلك؟ طيب، وهل... هذا حرص
أو دليل على الحرص أنهم يحكمون الله ويحكمون شرعه ولا يفعلون هذا بناءً على فرصة الهرب لا الطلب، بل هذا بناءً على فرصة الهرب لا الطلب، والله عليم بما يضمرون، فقال: وكيف يحكّمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله، لكن بعد ما يأخذون منك الكلام وهو بالعدل يتولون من... بعد ذلك يمضون ولن يطبقوا هذا ولا ذاك، وما أولئك بالمؤمنين، فيكون
الذي دفعهم هو رغبة الهروب وليس التزام الطلب. ومن هنا، ولما نعى عليهم ذلك، ولأننا عندما نقرأ القرآن إنما نقرأه لأنفسنا لطلب هدايتنا، نعلم من هذه الآية أن الله يرفض أن نفعل ذلك ولا نكون أمثالهم في الشرع ولذلك عندما تذهب لتسأل لا تسأل بنية الهرب وإنما اسأل بنية التزام الطلب. هذا
ما يوجهنا. نحن إذن، تعنيني هذه الآية، آيتنا نحن تصف خصلة رديئة وصفة غير مرضية في الأقوام الآخرين. فماذا نفعل؟ ابدأ بنفسك، حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا. ما المقصود؟ المقصود أن أفعل الخير ولا أفعل الشر مثل من يفعلونه، يبقى علينا دائماً أن نُحَوّل كل الآيات على أنفسنا فلا نكون كذلك. فعندما نأتي للسؤال، بعض الناس يأتي ليسألني ويستفتيني، فيظل يُطيل في السؤال ويتجه شرقاً وغرباً من أجل أن يأخذ مني ما يوافق مصلحته
وهواه، لا أن يعرف رأي الشرع الشريف المجرد في مثل حالته. صاحب حق طالب به وأخذ، وإن كان غير ذلك أعطاه وبذله، لا يريد أن يكون الأمر كله له لا عليه. فإن حكمت يقول لي: "لا، أنت لست فاهماً، أنا لست فاهماً". حسناً، افهم. يجلس يتكلم مرة عن الظلم وهو الظالم، وعن أن الناس يضطهدونه وأن الناس يأكلون حقه وليس له. حق يصدق عليه هذا، وكيف يُحكّمونك وعندهم
التوراة فيها حكم الله، ثم يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين. لأن غرضهم أن يستنصروا بالدين لمصلحتهم، فإن كان الدين ضد مصلحتهم نحّوه ولم يأخذوا به. كثيراً ما جلسنا في جلسات التحكيم نحكم بين الناس بالحق وبما يرضي الله، لكنهم يأبون، ومثل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل يشكو الزبير بن العوام أرضه بجوار أرض الزبير، يمر
الماء على أرض الزبير فيحبسها يوماً حتى تغطي الأرض، وله في السقيا مدة لكي تتشبع الأرض بالماء، ثم بعد ذلك يطلق الماء لكي يصل إلى الأرض التي بعده، وهذا ترتيب معتبر عند فَجَاءَ يَشْكُو أَنَّ الزُّبَيْرَ يَقْطَعُ عَلَيْهِ المِيَاهَ. انْظُرْ إِلَى الْكَلامِ! قَالُوا: حَسَنًا، لا عَلَيْكَ يَا زُبَيْرُ، دَعْهَا تَصِلُ إِلَيْكَ وَإِلَيْهِ. هُوَ يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ الأَوَّلَ. قَالَ: حَكَمْتَ لَهُ لِأَنَّهُ ابْنُ عَمَّتِكَ! وَا
أَسَفَاهُ، لَقَدْ أَخْطَأَ فِي حَقِّ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. يَعْنِي سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ أَيْضًا أحسنتَ له أن كان ابن عمتك أصدق الخلق وأحكم الخلق الذي اجتباه الله مصطفى من العالمين، النبي المجتبى والحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم. أراد أن يحكم بالعدل وبالحق وبالفضل والإحسان، فلم يفهم هذا الشخص. قال إذاً: "يا زبير، سدّ الماء عليَّ". دعنا
نرجع إلى الحق الآن وأجرِ المياه في حتى تصل إلى المستوى الذي يصل في كل مرة إلى ركبتك وبعدها تفتح له الماء. حسناً، هذه عملية لكي يدخل الماء وتنتظر حتى يصل إلى ركبته. لقد قلنا إننا كنا قبل ذلك نأتي يومين، ولكن هذا يحتاج ثلاثة أيام. حسناً، الصواب أن يكون هو الأول في طريق الماء، يسقي وبعد إذا كان الفضل والإحسان لم ينفع، وإذا كنت قد أتيتنا من أجل الهرب، فهذا هو الطلب. وإذا كان الحكم لا يوافق هواك فتتهم الحاكم، فإذاً أنت تستحق أن يكون العدل قبل الرحمة. وقد أراد رسول الله صلى الله
عليه وسلم أولاً أن تكون الرحمة قبل العدل، فأبى من حُمقه، فضاعت أرادها له رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجع الأمر إلى العدل الأول: ﴿إنا أنزلنا التوراة فيها هدى﴾، انظر إلى الجمال، يعني يمضي في الحديث عن التوراة لأنه يذكر ويصف نقائص عند أولئك الذين آمنوا بالتوراة، إلا أنه يعلمنا الإنصاف: التوراة هدى، ﴿إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور﴾، ما هذا الطوائف تسأل:
تعال يا مسلم، ما رأيك في التوراة التي يؤمن بها اليهود؟ فيقول لك: قال تعالى، قال تعالى. وماذا يعني هذا؟ إنها جزء من إيماننا. نحن نقول ذلك علناً في المسجد: "إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور". ماذا؟ أنت تهذي! ألم تُظهر نقائصك بعد؟ أقوام ليس أنت ضد اليهودية، سأرى الخلط الآن. لا، نحن لسنا ضد سيدنا موسى ولا ضد كتاب سيدنا موسى ولا ضد من آمن بسيدنا موسى، نحن ضد من انحرف عن سيدنا موسى.
فيخلط هذا بأن القرآن ثلاثة أرباعه يشتم بني إسرائيل. لا، هذا الكلام غير صحيح، القرآن يبين النقائص التي... لا يرضى الله عنها في أي قوم كان وأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا نكون مثلهم وإلا إذا قلدناهم في نقائصهم فإن الله يغضب علينا كما غضب عليهم. ليس في هذا جدال، فهو يحذرنا من تلك النقائص، إنما تأتي وتتهم الإسلام والقرآن بأنه يشتم في ثلاث أو أربع بنو إسرائيل ليسوا يتامى، بنو إسرائيل ليسوا في سورة نبيهم، هذا
جزء من إيماننا، هذا كليم الله سيدنا موسى، "وكلم اللهُ موسى تكليماً"، ولا في كتابه، ها هو: "إنا أنزلنا التوراة فيها هدىً ونور"، وما زال أيضاً سيذكر لك صفات لها، ولا فيمن آمن به عن حق، وإنما أولئك الذين وقامت بهم النقائص، حذرنا منهم وحذرنا أن نكون مثلهم. إذاً فنحن لا نحتقر أحداً في العالمين، بل نؤمن بالأنبياء أجمعين، ولذلك لنا الريادة عليهم ولنا القيادة
للأمم. لنا القيادة لهذه الأمم كلها لأننا آمنا بهم وبكتبهم وبأنبيائهم، وفتحنا قلوبنا في نسق مفتوح. وإلى لقاء آخر، نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته