سورة المائدة | ح 981 | 44 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

سورة المائدة | ح 981 | 44 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة - تفسير, سورة المائدة
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة المائدة يقول ربنا سبحانه وتعالى: "إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء" فالربانيون والأحبار استُحفِظوا أي طُلِبَ منهم حفظ الكتاب، وحفظ الكتاب على مستويين: المستوى الأول أن نحفظ ألفاظه ورسومه، والمستوى الثاني أن
نحفظ معانيه ومقاصده وأحكامه. استُحفِظوا أي طُلِبَ منهم أن يحفظوا رسمه من غير تبديل، ومعناه من غير تحريف، وكانوا عليه شهداء. الربانيون والأحبار كانوا شهداء على أحقية هذه التوراة وأنها عند الله وأحقية ما ورد فيها من معانٍ، ولذلك فإن الذي يغير التوراة في شكلها
أو يغير التوراة في ترجمتها أو يحذف أو يضيف أو يقدم أو يؤخر أو يحرف في معانيها، فويله عند الله عظيم، لأنه يكون حجاباً بين الخلق والخالق، ويكون قد حرّف كلام الله، وبذلك يصد الناس. عن كلام الله الذي بشر فيه والذي حكم فيه والذي أخذ الميثاق فيه على الناس، فبالزيادة والنقصان والتقديم والتأخير والتحريف والتخريف يصد عن سبيل الله بعلم وبغير علم، وهذا هو معنى الأمر والطلب
لهم بالشهادة، فإذا هم أخلوا بالشهادة فالويل لهم عند الله، فلا تخشوا الناس واخشوني ولا تشتروا بآياتي. ثمناً قليلاً بعضهم اشترى بآيات الله، تركوا آيات الله وأخذوا الدنيا، أخذوا المناصب الدنيوية، وبذريعة أنهم يدافعون عن دينهم، دافعوا وحاربوا وأراقوا الدماء من أجل الملك والسلطان، وصدوا عن سبيل الله، وشوهوا صورة المسلمين خوفاً من أن
يؤمن الناس بهذا الدين، لأن دين الإسلام واضح مفتوح سهل ليس فيه أسرار إلا ما بينك وبين الله، حرر العقل الإنساني كل تحرير، أمر بالمعروف ونهى عن المنكر، وعلمنا الخلق الكريم، ووسع صدورنا للعالمين، ولذلك فلا تخشوا الناس واخشوني، لا نخاف إلا الله، ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلاً، فهذا الكلام الموجه إلى أهل الكتاب هو موجه إلينا أيضاً، ولذلك يأمرنا ربنا ألا نشتري. بآياتي ثمناً قليلاً وألا نبيع
آخرتنا من أجل دنيانا، وفي بعض الأحيان بعض الناس يبيع آخرته من غير مقابل خوفاً وخشيةً من الناس. ولذلك قدّم فقال: "فلا تخشوا الناس"، وكان يكفي أن يقول: "فلا تخشوا الناس" أي نخشى ربنا، لكنه أكد مرة بعد مرة وقال: "واخشوني"، وترون أن "واخشوني" الياء. ليست موجودة "واخشوني" لغة، أي لغة حذف الياء هنا، لغة هكذا في اللغة نحذف أو نضيف الاثنين سادتي. إذن ما الفرق عندما لم نكتب فيها الياء؟ الوقف عليها: "فلا تخشون الناس واخشون"، تقرأها
هكذا. قلت له: "واخشون" بالرغم من أن النون عليها كسرة، إنما هذه الكسرة آتية من الحركة. الدالة على الياء المحذوفة "واخشون". هل هي ليست "واخشوني"؟ لو كانت مكتوبة بالياء، كنا سنقولها كيف؟ "فلا تخشوا الناس واخشوني". والآن نقولها كيف؟ "فلا تخشوا الناس واخشون". انظر إلى الفرق بين الاثنتين: "خشون" و"خشوني". ما الذي مكتوب أمامنا؟ من غير ياء، إذن لا نقرأها بالياء، نقرأها من غير ياء عندما بالتي بعدها أنه أنت انكسر واخشوني ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلاً ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك
هم الكافرون. وهنا آية عظيمة جاءت في سياق كلام أهل الكتاب ولكنها موجهة إلى كل أهل كتاب سواء كانوا من اليهود أو من النصارى أو من المسلمين. ومن لم يحكم بما أنزل. الله فأولئك هم الكافرون وكان ابن عباس رضي الله تعالى عنه يفسر هذه الآية على مستويات، فالقاضي المرتشي -افترض والعياذ بالله في قاضٍ مرتشٍ- سيحكم بغير العدل، يعني سيحكم بغير ما
أنزل الله لأن الله أنزل العدل وأمر بالعدل والقسط، هذا يعني أنه عندما أخذ رشوة سنخرجه من الملة كفر يعني خلاص قال هو كفر، لكن كفر دون كفر. حبر الأمة سيدنا ابن عباس الذي دعا له النبي: "اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل". سيدنا ابن عباس من العبادلة الأربعة، الفقهاء العظماء من الصحابة: عبد الله بن عمر، عبد الله بن عمرو، عبد الله بن مسعود، عبد الله. ابن عباس والعلماء الذين سموهم "العبادلة". العبادلة جمع عبد الله، عبد الله، عبد الله، عباد الله، فيكون الجمع "عبادلة". فسيدنا ابن عباس حبر الأمة وفقيهها علَّمنا هذا الجزء
أن هناك ما يسمى "كفر دون كفر". أما الخوارج فعندهم أن أي شخص يرتكب أي معصية يصبح كافراً وانتهى الأمر ويذهبون مثل... الجماعات التكفيرية في أيامنا هذه خوارج، لأن الخوارج كانوا يرون أنك إذا ارتكبت ذنباً فقد كفرت. فالقاضي المرتشي عندهم كافر، والذي لا يعرف شيئاً ما كافر، فالتكفير عندهم سهل. قال فيهم عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وأرضاه. فيما أخرجه البخاري، ذهبوا إلى آيات أنزلها الله في المشركين فجعلوها في المسلمين. أيضاً، هناك قاعدة أنه لا بد عليك وأنت
تفسر أن تجعل لما تقرأ درجات. هذه القاعدة الخاصة بسيدنا ابن عباس، وأن تراعي السياق والسباق واللحاق والمآلات. وهذه قاعدة ثانية إلا التي تخص سيدنا عبد الله بن عمرو، ماذا يقول لك: ذهبوا إلى آية أنزلها الله في المشركين فجعلوها في المسلمين، فهو لم يراعِ السياق والسباق ولا المآلات لأنه لم يراعِ التدرج في الفهم. فمن لم يحكم بما أنزل الله إنكارًا واستكبارًا، فهذا كفر يُخرجه عن الملة. هذه هي الدرجة الثانية. قالوا متى
لا يحكم إنكارًا واستكبارًا أي... عندما يستهزئ بآيات الله، عندما لا يرى الحكمة فيما أمر الله به، عندما يقول هذا الكلام خطأ، حسناً، رجل قال هكذا فكفر، من الذي كفّره؟ هو كفر نفسه. ومن الذي حكم عليه بالكفر؟ ربنا الذي حكم عليه بالكفر، ليس أنا. إذن لست أنا من يفتش عن الناس وينقب عنهم حتى عليهم بالكفر والخروج عن الملة، فإن المسلم صعب، ولا بد أن يكون فاعلاً لذلك قاصداً عالماً مختاراً. وعلى ذلك التفصيل في حلقة قادمة. أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.