سورة المائدة | ح 982 | 44 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

سورة المائدة | ح 982 | 44 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة - تفسير, سورة المائدة
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه مع كتاب الله وفي سورة المائدة يقول ربنا سبحانه وتعالى بعدما ذكر أنه أنزل التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء وبعد ما أُمرنا إلا نخشى الناس وأن نخشى الله وحده وألا نشتري بآياته سبحانه ثمناً قليلاً. قال: "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون"، وهذه آية عظيمة في كتاب الله سبحانه وتعالى. ختم
الآية التي بعدها بقوله: "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون" وختم. آيةٌ أخرى: "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون"، فأصبح معنى أن من لم يحكم بما أنزل الله "فأولئك هم الكافرون، فأولئك هم الظالمون، فأولئك هم الفاسقون". وهذه الآيات فسَّرها ابن عباس على أن هناك كفراً دون كفر، وأهل السنة عندهم الكفر على ثلاثة أنواع، فهناك كفرٌ بالله. وهناك كفر
العشيرة وهناك كفر النعمة، فالكفر بالله هو إنكار وجود الله والعياذ بالله تعالى، ويسمونه الكفر الناقل عن الملة. وكفر العشيرة حملوا عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم وهو يعظ النساء: "وتكفرن"، فقالت إحداهن: "أأكفر بالله يا رسول الله؟" قال: "لا، تكفرن العشيرة"، وكفر العشير في نوع. من أنواع التسرع في الحب نوع من أنواع عدم رد الجميل، وفيه نوع من أنواع
التعميم الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم المرأة أن تعامل زوجها به، فإنه فسره فقال: "فإن إحداكن إذا رأت من زوجها شيئاً قالت: ما رأيت منك خيراً قط". إنه تعميم وكان ينبغي... عليها أن تعترف بقدر ما يقدم الرجل لها من خير، ثم أن تنتقد على قدر ما قصّر في حقها من قصور. فيعلِّمنا أن التعميم شغب لا ينبغي للمؤمن ولا للمؤمنة أن يقع فيه، فإنه يكسر الخاطر ويتكلم بغير الحق،
وفيه نوع من أنواع كفران العشير والعِشرة، والنبي صلى الله عليه وسلم أيضاً يتحدث عن كفر النعمة بأن الإنسان يتأخر في حمد الله بسبب طمعه وعجلته ولأنه لا يلتفت إلى المعاني الراقية وهو مسلم، فيقول: "ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب" في حديث أوله "لو كان لابن آدم وادٍ من ذهب لطلب". ثانياً إذا أعطاه الله الثاني ووادٍ ثانٍ من ذهب لطلب ثالثاً دون أن يحمد ربه، ودون أن يرى النعمة التي هو فيها. يعني ليس لديّ
إلا وادٍ واحد مملوء بالذهب، حسناً خذ الثاني. إنه قال اثنين، والقِدْر لا يستقر إلا على ثلاثة أحجار، فهو يريد أن يأخذ الثالث. حسناً، ثلاثة، حسناً، فإن فلاناً لديه ثلاثة ويريد سبعة وهكذا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب. هذه طبيعة في ابن آدم، لديه عجلة، ولديه يعني طمع، ولديه التفات، لكن رسول الله يربينا أن نفعل عكس هذا. هناك كفر النعمة وهناك كفر بالله. أخذت بعض. الطوائف الخارجية في عصرنا هذا أخذت تلك الآيات من سياقاتها وقالت إن من لم يحكم
بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون على إطلاقها. بدأ هذا عندما احتل الإنجليز الهند وحكموا فيها بغير الشريعة، وكانت الهند في بعض ولاياتها الكبرى في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل العشرين تحت سلطان المسلمين منها. حكمت حيدر آباد الدكن حتى سنة ألف وتسعمائة وستة وثلاثين بالمسلمين، وأرسل أحدهم إلى مصر يستفتي الشيخ محمد رشيد رضا صاحب مجلة المنار وتلميذ الإمام
محمد عبده في هذا: "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون"، ما وضعها لأننا في الهند نُحكم بأحكام غير المسلمين في القضاء؟ بموجب الاحتلال الإنجليزي فماذا نفعل؟ وهل إذا ما حكمنا بين الناس بهذه الأحكام نكون قد خرجنا عن ملة الإسلام وكفرنا؟ وأجابهم محمد رشيد رضا بجواب واسع ذكره في تفسيره المنار الذي أخذه عن شيخه محمد عبده في بحث طويل بيّن فيه
ما معنى العدل وما موقفنا من هذا العدل إذا... ما أتانا من غيرنا وما معنى إيقاف الحدود والفرق بينه وبين إلغاء الحدود والاستكبار عليها. فمثلاً سيدنا عمر أوقف الحدود عام الرمادة لأن هناك شبهة عامة اكتنفت البلاد والعباد، ورأى أنه لو طبَّق الحد في هذا الظرف لعاد على مقصود الشريعة بالبطلان، فكان تعليقه للحدود هو في الحقيقة حكم الله. وكان إيقافه
للحدود هو في الحقيقة حكم الله، وبذلك لم يصف ولم يجرؤ أحد من الناس أن يصف عمر لا في عصره ولا بعد عصره، ولا خطر في بال مسلم أن يصفه بغير أنه هو وزير رسول الله وخليفته وأمير المؤمنين ومن العشرة المبشرين بالجنة ومن الخلفاء الراشدين الذين أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نتبعهم وقال: "فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور". فأحالنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سنة الخلفاء الراشدين المهديين، وجاءنا عمر وكان رجل
دولة ليبين لنا كيف ينشئ الدواوين وكيف يطبق الشريعة في وكيف يُفسر كلامُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ومثلاً هنا عندما قال: "ادرؤوا الحدود بالشبهات"، وكيف أن الشبهة قد تعم ويُعتبر هذا العموم؟ كل ذلك راعاه العلماءُ والمسلمون في مصر عندما أصدروا قوانين العقوبات وسكتوا فيها عن الحدود. سكتوا عن الحدود ولم ينكروها، سكتوا عن الحدود ولم يستكبروا عليها. سكتوا عن الحدود ولم يتعالوا على إقامتها، بل إنهم رأوا أن العصر عصر شبهة. قد تختلف معهم
في هذه الرؤية، ولكنهم ليسوا كفاراً. وقد نختلف في الاجتهاد مع سيدنا عمر حينما جلد أبا بكرة لأنه أقر في مجلس القضاء على أنه رأى الزنا بعيني رأسه مع أربعة ثم نكل الأخير. حكم عليهم بالقذف وليس هكذا كلام الأئمة، خالفوا عمر لكنهم لم يفسقوه ولم يكفروه ولم يتهموه بالجهالة أو بالظلم أو نحو ذلك. قد ترى أن تأخير الحدود فيه منقصة، ولكن لا تستطيع أن تصف من أوقف الحدود درءاً للحد بالشبهة في هذا العصر أنه كافر، وهذا الذي لم يفهمه زياد.
الصبيان ففعلوا ما فعلوه وأراقوا الدم في الطرقات من أجل أوهام قامت في أذهانهم فإنا لله وإنا إليه راجعون وإلى لقاء آخر أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.