سورة المائدة | ح 985 | 48 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة المائدة يقول ربنا سبحانه وتعالى: "وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق". لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون. في هذه الآية العظيمة بيّن الله سبحانه وتعالى صفة من صفات
القرآن الكريم وأنه مهيمن على سائر الوحي من قبل وذلك. إن نقلة الوحي لم يبذلوا فيه من الجهد ما بذله المسلمون في هذا الكتاب. المسلمون كتبوه، والمسلمون درسوه، والمسلمون حفظوه، والمسلمون قرؤوه حتى من الغيب في الصلاة. كل هذا لم يكن في كتاب من قبل، ولذلك نجد للقرآن أسانيد كثيرة. عندما جاء ابن الجزري
في النشر أورد أكثر من ألف. طريقٌ منه وهو في القرن الثامن الهجري إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا كتاب واحد وهو عالِم واحد. فإذا جمعنا ملايين ممن حفظوا القرآن الكريم لخرج الأمر من تحت الحصر، أي غير محصور، ولكانت عندنا أسانيد ننقل بها كتاب ربنا، ينقل الشيخ فيه عن شيخه والتلميذ عن أستاذه. إلى منتهاه وكلهم معروفون، يعني عندما تأتي وتقول لي: "تعريض القرآن على مَن؟"، يقول لك: "على سيدنا
الشيخ فلان". مَن هذا الشيخ فلان؟ وُلد سنة كذا وتوفي سنة كذا، وأولاده كذا، وتعلَّم في المكان الفلاني، وله مؤلفات كذا، وهكذا. وهو قرأهم على فلان، لكنه لم يأخذ منه الإجازة، بل أخذ... الإجازة من علام وكله موجود، نعرف رأسنا من قدمنا، أي شيء عجيب غريب لم يكن لكتاب قط في تاريخ البشرية أبداً، لا شعر، ولا ديوان شعر، ولا كتاب خُطب، ولا كتاب مقدس، ولا كتاب محترم عند أحد أو طائفة من الطوائف، ولا كتاب فريد عجيب لم يكن في أي لغة. كانت بهذا النقل
المتواتر المتتالي أبداً فهذا الكتاب محفوظ، ومن أجل هذا الحفظ الدقيق الذي كان على مستوى الحرف وكان على مستوى الأداء، كل حرف الشيخ يقول لك كيف تنطقه، ونوَّع الله قراءاته لكي نحفظه، ولكي نصبح واعين بما هو صحيح وما هو خطأ، وما يصلح وما لا يصلح، وعندما تحدث عالم القراءات: هل وردت هذه الكلمة؟ فيقول لك:
لا، لم ترد بهذه الطريقة في القراءات العشر، وإنما وردت فيما فوق العشر، وهو الشاذ الذي لا يُقرأ به. لا، هذه وردت في العشر. لا، هذه واردة في السبع. لا، وهكذا. وتجدهم شيئًا عجيبًا جدًا، حافظين شيئًا اسمه "الطيبة" - طيبة. النشر الذي يحتوي على ألف بيت، والشاطبية التي تحتوي على ألف بيت آخر، والمتممة الدرة التي تحتوي أيضاً على ثلاثمائة بيت أو نحو ذلك، لماذا هذا؟ لماذا هكذا؟ حتى نحفظه حرفاً وليس كلمة هذا كثير. وتجد أن كلمة إبراهيم في سورة البقرة
دون ياء وفي سائر القرآن حرفاً فالحرف الخاص بالياء الخاصة بـ"إبراهيم" في القرآن لا نكتبه، وإنما نكتب في سورة البقرة، داخل سورة البقرة لا توجد ياء. في سورة البقرة هو نفس الاسم "إبراهيم"، داخل سورة البقرة ليس فيه ياء، لكن في سورة البقرة توجد ياء. لماذا؟ حتى نفتخر على العالمين أننا حفظنا أشياء عجيبة غريبة، هذه الشاطبية، عندما تقرأها، يعني غير معقول أن أحداً من البشر يستطيع أن
يفعل هكذا. الحرف الأول يدل على كل قارئ بجدول مرتب للقراءات، ويأتي لك بالقراءات التي من السورة وينسبها لهؤلاء. حسناً، القرآن حفظناه، حسناً، والشاطبية أيضاً، فتجد الشيخ لا يرضى أن يمنحك الإجازة إلا عندما تقول يا الله ما هذا البلاء! كيف أحفظ هذا؟ فإذا بك تحفظها! ما هذا؟ هل يوجد في كلام رب العالمين قصة هكذا؟ فاستحق هذا الكتاب المحفوظ، هذا الكتاب المعجز، هذا الكتاب الرباني أن يكون مهيمناً على ما بين يديه من الكتاب. شخص ما أحضر سورة سيدنا يوسف
ووضعها في جدول هل سورة سيدنا يوسف موجودة في التوراة؟ فجمعها هكذا ووضعها في جدول لكي يرى ما هو موجود في سورة سيدنا يوسف في القرآن وموجود أيضاً في التوراة، وما هو موجود في القرآن وغير موجود في التوراة. وبعد ذلك وجد كتباً غير معتمدة لدى أهل الكتاب سموها الأبوكريفا، والأبوكريفا تعني غير أي ليست مثل القراءة الشاذة عندنا غير معتمدة، فذهب وأتى أيضاً من الأبوكريفا، هو حسناً، هل ذكرت هذه الأبوكريفا شيئاً يكون موجوداً في القرآن؟ حسناً، وذهب
وعمل جدولاً ثلاثياً: القرآن، التوراة، كتب أخرى في قصة سيدنا يوسف، فظهر أن القرآن فيه أشياء غير موجودة في أي مكان آخر وأنه... توجد أشياء موجودة في التوراة، وأشياء موجودة في الكتب الأخرى، وهناك أشياء في التوراة غير موجودة في القرآن، وفي الكتب الأخرى أشياء غير موجودة في القرآن. وبدأ يدرس الله فوجد أن ما هو موجود في القرآن يملأ الفجوات التي ليست موجودة في القرآن، وأن ما ليس موجوداً في
القرآن. يناقض بعضه بعضاً. قال الله: "إننا لو افترضنا أن محمداً بن عبد الله وضع أمامه هذه القصة وجلس يؤلف سورة يوسف، فسيستغرق ستين سنة ويحتاج أن يكون عالماً بالسريانية والعبرية، ويحتاج أن يكون قد اطلع على هذه الكتب الأخرى التي ما زلنا نكتشفها والتي كانت موجودة في مخطوطات الجنازات". ونجح حَمَّادي والبحر الميت وكانت هذه الأمور مدفونة والنبي موجود،
فمن أين أتى سيدنا محمد بهذا الكلام يا جماعة؟ إن صاحب العقل يُمَيِّز، لا إله إلا الله، والسلام عليكم ورحمة