سورة المائدة | ح 986 | 48 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة المائدة يبين ربنا سبحانه وتعالى حقيقة جلية وهي أن القرآن الكريم بهذه الصيغة المعجزة، ولأنه من عند الله أولاً، ولأنه محفوظ ثانياً، هو المعيار، هو المهيمن للتعامل مع كل. وحي نقل حيث أن القرآن قد أقام الله له من يحفظه بإذن الله وقوته وحوله بصورة لافتة
للنظر، فكان جديراً أن يكون مهيمناً. فإذا احتار الناس فليرجعوا إلى القرآن. ثم قال تعالى: ﴿فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق﴾ وفي هذه الآية بيان لأفضلية الشريعة. على كل فكر أراد أن يقر العدل بين الناس، نحن نريد أن نقر العدل بين الناس، إلا أن الشريعة أعلى وأبر في إقرار العدل بين الناس. لاحظنا أن القانون عندما يضعه البشر فإنه يحكم على
الظاهر، أما الشريعة فهي تربط هذا بالخوف من الله وتربط هذا بتوفيق الله لك في. الدنيا وتربط هذا بحساب الله لك في الآخرة فتربط دائماً سلوكك الظاهري تربطه برب العالمين والقانون لا يستطيع أن يفعل هذا فهو يأمرك وقد تمتثل لكنك تريد أن تهرب منه في أول الطريق بعكس الشريعة فإنك لو وقعت في المعصية تقلب عليك ضميرك وردتك نفسك
وروحك إلى أن تستغفر وأن تتوب وأن تقلع عن الذنب وأن تعزم على ألا تعود إليه مرة أخرى لأن الله سبحانه وتعالى علام الغيوب ولأن الله سبحانه وتعالى عليم بذات الصدور ولأن الله سبحانه وتعالى لا تعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ثم ينبه إلى قضية أخرى لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا. عبارة انظر كيوم
الدين، لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً، وبعض الناس يسأل ويقول: إن ربنا واحد، فلماذا الأديان مختلفة هكذا؟ حكم الله في البشر حتى يتم كمال الاختبار والابتلاء، ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك، ولذلك خلقهم. لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً، الشرعة هي
النصوص والمنهاج هو القواعد. التي تستطيع أن تستنبط بها الأحكام من الشريعة، وهل هذا حدث عندما أراد الدكتور السنهوري - رحمه الله - أن يصوغ القانون المدني، وجد هناك ستة عشر تشريعاً في العالم. "لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً". في مدرسة تسمى المدرسة الذاتية يقول لك: هذا هو القانون اللاتيني، يأخذ المدرسة الذاتية، ومدرسة يأخذ المسائل موضوعية "لكل
جعلنا منكم شرعة ومنهاجا"، وعندما أرادوا وضع دستور ثلاثة وعشرين، وضعوه على النمط البلجيكي، فأصبحوا كلما لم يستطيعوا تفسير شيء، يستدعون الخبير البلجيكي، لأنه معتمد على منهج العقل البلجيكي. "لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا" خمس كلمات فقط، لكنها عميقة جداً تصف الحال. وثانياً تبين أن الاختلاف إنما هو من خلق الله. بعض الناس يريد أن يحمل الأرض كلها على مذهب واحد وعلى رأي واحد، وهذا ضد خلق الله. أراد
الله التعدد والتنوع، فأراد صاحبنا الوحدة والاتفاق. ليس ممكناً، فكأنه يسير ضد خلق الله سبحانه وتعالى. حسناً، وماذا يفيدك هذا إذاً؟ آمنت واستقر في وجدانك أنه لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجًا، وأنك تهتدي وتعرف أن هذا من عند ربنا، وأنك توافق على أن يكون هناك تواصل بينك وبين الآخرين، وأنك تستفيد من حيث ما كان الحق وحيث ما كان العدل، فإنك تتعاون. والله، بهذا الشكل تكون كالوردة، بهذا الشكل تكون. قد حققت نسق الإسلام المفتوح للعالمين، ولا نقاتل الأرض أجمعين لأنهم
يريدون بنا شراً، ولا لأننا نريد أن نحملهم حملاً على منهج واحد وعلى شرعة واحدة. يعني ربنا يعلمنا ماذا؟ أن نجيش الجيوش من أجل أن نغزو العالم وأن نقهر الناس وأن نجعلهم تحت أقدامنا؟ أنحن تتار مغول؟ إننا ما... نحن لسنا المغول، فالتتار يغضبون بالمناسبة. يقولون: "نحن لسنا نحن الذين أتينا، بل المغول هم الذين جاؤوا". يقول لك التتار: "نحن دائماً في الأدبيات نقول تتار، لا، هذا خطأ، المغول هم الذين جاؤوا. التتار هؤلاء أناس مسلمون، التتر من تترستان وما إلى ذلك". فنحن نقول لهم: "لا تغضبوا، هذا مجرد لكن زلت لسانك، هؤلاء المغول، فنحن مغول سنذبح
الناس؟ أم لدينا "لكل جعلنا"؟ من الذي جعل شرعة ومنهاجاً رب العالمين؟ تخيل أن هذه الكلمة تهدئ البال، وتصلح الحال، وتجعل هناك قلوباً منفتحة تتجاوز كثيراً مما تكلس في أذهان بعض المسلمين من العدوانية بناءً على أنه لم يفهم "لكل جعلنا". منكم شرعة ومنهاجاً ولو شاء الله انظر إلى الكلام لجعلكم أمة واحدة، حسناً، ما سبب الخلاف؟ أنت رب واحد، فلمَ جعلتنا مختلفين؟ ولكن ليختبركم فيما آتاكم، يعني
قضية تتعلق بدفع الناس بعضها لبعض، بتدبير الأكوان، بعمارة الأرض، بحكمة الله في إدارة الكون، تتعلق بالابتلاء والامتحان، وتتعلق، فبناء عليه، يعني بناء استبقوا الخيرات، فاستبقوا الخيرات، وليس استبقوا الشر، وليس كونوا دائماً في صدام مع الناس. هذا يقول لك: افتح قلبك وانتبه واستبق الخيرات، اعمل الخير في خلق الله تجد خلق الله يأتون إليك. هم سيرون منك خيراً، وبعد ذلك سيواجهونك دائماً
هكذا بالشرع. أطفئ حريقهم، اغفر ذنوبهم، عالج مريضهم، علّم جاهلهم، إلى الله مرجعكم جميعاً، الستة مليارات سيرجعون إلى من؟ إلى الله. والله تعالى يحب ماذا؟ أيحب الخيرات أم يحب الدماء تجري على الطرقات؟ "فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون". إذاً هذا الاختلاف ليس محله الدنيا وإنما محله الآخرة، سنؤجله للآخرة. ونحن هنا ماذا نفعل؟ لقد ابتلاك بالخلاف ليرى ماذا ستفعل مع إنها أرحامه عللت علمه وإلى لقاء آخر نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة
الله وبركاته