سورة المائدة | ح 987 | 49 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

سورة المائدة | ح 987 | 49 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة - تفسير, سورة المائدة
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة المائدة قال تعالى: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ ببعض ذنوبهم وأن كثيراً من الناس لفاسقون. في هذه الآية هناك ثلاثة أوامر لرسول الله صلى الله عليه وسلم: الأمر
الأول أن يحكم بين الناس سواء كانوا من أهل الكتاب أو من غيرهم بما أنزل الله، هذا هو الأمر الأول. والأمر الثاني في صورة النهي ألا يتبع أهواءهم. والأمر الثالث أن يحذرهم أن يفتنوه عن بعض ما أنزله الله سبحانه وتعالى إليه. احكم بينهم، خالف طريقهم، احذرهم.
فما معنى هذه الأوامر الثلاثة؟ احكم بينهم، وأن يحكم بينهم بما أنزل الله، فيه بيان أن الله سبحانه وتعالى قد وضع أساس التشريع، ولذلك فالحاكم هو الله، وأن الله سبحانه وتعالى هو الذي وضع. النظام العام وقواعد الآداب المرعية، فليس لجهة ما أن تضع حكماً مع حكم الله سبحانه وتعالى على هذا المستوى، فهو الذي
وضع النظام العام الذي يجب أن يكون بين البشر. والسؤال: ما الجهة التي يمكن أن تصنع ذلك؟ يمكن أن يصنع ذلك حاكم متجبر، ويسمونه في النظام السياسي الحديث الدكتاتور يلغي السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية ولا يكون هناك إلا كلمته هي كلمة واحدة فقط، كلمة إنسان واحد فقط، ديكتاتور، نظام ديكتاتوري. ومعناه أن الذي يحكم البلاد والعباد ويضع كل شيء ويضع حتى
النظام العام ويضع الحسن والقبح للأفعال هو واحد فقط، وهو الحال في نظام آخر، هذا الذي يضع كل. ذلك الحزب والحزب هذا قد ينتمي إلى طبقة معينة كما انتمى الحزب الشيوعي للطبقة العمالية أو البروليتاريا (الطبقة العاملة). من الذي يشرع للحزب؟ ليس هناك شخص واحد بعينه، بل هي قيادة جماعية لا تخرج عن رأي الزعيم أو المنظِّر. من هو منظِّر الشيوعية؟ ماركس. ومن هو الزعيم؟ لمن
وأين يحكم ليس شخصاً واحداً، بل إنه من الممكن أن يقبض هذا الحزب على الرئيس، فهو ليس دكتاتوراً ما دام خالف الحزب. من الذي يحكم؟ الحزب. إذاً من الممكن أن يكون شخصاً واحداً دكتاتوراً، أو من الممكن أن يكون حزباً، ومن الممكن أن يكون المجلس التشريعي (الكونجرس/البرلمان)، ويصف الأفعال بالحسن والتقبيح، ويحل يشترك معهم الثلاثة هؤلاء في أن البشر هو الحاكم، مهما كان اسمه بشراً، سواء أكان فرداً أو حزباً أو مجلساً قد انتُخب من
الأفراد بإرادتهم الحرة، وفي النهاية هذا البشر عيّن نفسه حاكماً. والنظرة الإسلامية القرآنية ترى أن هذا الحاكم الذي يضع التحليل والتحريم والتحسين والتقبيح ويضع سقفاً... النظام العام هو الله وليس البشر، ولأن الله لا يكلم البشر فقد أنزل الوحي على رسله وأنزل الكتب على أنبيائه وبلّغونا إياه. هذا هو الفرق بين المسلمين وبين أنظمة كثيرة موجودة. فالحاكم باتفاق
المسلمين - أهل السنة والمعتزلة أو الشيعة أو الخوارج أو غيرهم - هو الله باتفاق المسلمين، لم اتفق على ذلك اثنان ولم يتناطح فيها كبشان، من الحاكم؟ الله، إن الحكم إلا لله، هكذا هو، فالحكم يكون لرب العباد دون سواه. فلما أراد المسلمون أن يستفيدوا من خبرات الأمم ومن تنظيم الأحوال، وافقوا على الفصل بين السلطات لأنها تقلل من مخاطر الدكتاتورية ولا تجعل
الأمر كله بيد شخص ويصيب وتعترضه العوارض البشرية من الصدق أو الكذب، من الضعف أو القوة، من الغباوة أو الذكاء، من العمل على مصلحته دون مصلحة الأمة أو خلاف ذلك. لماذا تتركز كل المسألة في شخص واحد بهذه الخطورة؟ فوافقوا على أن نفصل ما بين من يصوغ التشريع وبين من يضع النظام العام، انتبه هناك فرق كبير بين من يصوغ التشريع ومن ينفذه ومن يقضي بين الناس بالحق، فسموه فصل السلطات. قالوا لا مانع أن نأخذ بفصل السلطات لأنه لا يعارض
شيئاً عندنا. قالوا يا رسول، إسمها السلطة التشريعية، وهناك الحاكم ليس هو الله. قال: لا، نجعل الحاكم هو الله، فلا يجوز للبرلمان ولا... ليس للكونجرس ولا لمجلس الشعب أن يُحِلَّ الزنا لأن الله قد حرمه، ولا أن يُحِلَّ الشذوذ لأن الله قد حرمه، ولذلك جاء فوضع دستوراً ونص فيه على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع فلا يتعداه، فأعلن إسلامه قائلاً: أنا مسلم، وأعلن عصريته قائلاً: أنا فصلت بين السلطات كشأن البشر تجربتهم الشائعة الزائعة المجربة التي نجحت، أخذت
نجاحهم وتركت عيوبهم. كلام ثقيل: استطاع المسلم أن يعيش بإسلامه، وأن لا يغيب عن عصره، وأن يحكم بينهم بما أنزل الله. احكم، إذًا سيسوق هذا الحكم وسيقول ولكن تحت سقف ماذا؟ ما أنزله الله، لا يخرج عنه. قديمًا كانت الديمقراطيات الغربية تفخر وتقول... برلمان الإنجليز يفعل كل شيء إلا أن يصير الرجل امرأة والمرأة رجلاً، وبعد
ذلك وجدوا أن هذه الكلمة غير صحيحة، فقد قيل إنهم حتى صيّروا الرجل امرأة والمرأة رجلاً، فقد أجازوا اللواط وأجازوا زواج المثليين وأجازوا ما لم يجزه صاحب فطرة سليمة ولا يجيزه أي دين على وجه الأرض. دين ولا يجيزه جماهير البشر وجعلوا ذلك من حقوق الإنسان والعياذ بالله تعالى. نحن لا يمكننا أن نفعل ذلك، لماذا لا يمكننا؟ الحرية هكذا، افعل ما تريد، ما تتفق عليه. قال له: لأن الحاكم عندنا هو الله، وإذا لم تفهموا يا إخواننا الذين في الغرض أننا نقول
إن. الحاكم هو الله، إذا لن تفهمونا ولن نفهمكم وسنظل هكذا حيارى، افهموا الآن وها نحن نقولها مراراً وتكراراً: الحاكم هو الله، وهذا لا يضر في فصل السلطات ولا يضر في وجود القضاء المستقل والتشريع المستقل لأنه تحت سقف ما أنزل الله. وإلى لقاء آخر نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله. وبركاته