سورة المائدة | ح 993 | 52 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

سورة المائدة | ح 993 | 52 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة - تفسير, سورة المائدة
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة المائدة وعند قوله تعالى: "فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ". دائماً الذي يدعو إلى عدم الانتماء حتى مَلَّ كثير الآن من الناس يقول. أي انتماء هذا؟ دعنا نكون منتمين هكذا للجو العام للمعاصرة. دائماً ما يبررون أفعالهم بقضية التخلف والتقدم، والتخلف والتقدم لا بد له من معيار.
واختلف الناس عندما تكلموا في التقدم والتنمية والنمو، وما الفرق بينهم في قضايا المعيار الذي نقيس به التقدم والتخلف. نخشى أن تصيبنا دائرة، أي أنني متخلف، أصبح التقدم والتخلف معيارًا مقترحًا يتعلق بالمال، فدخل الفرد يعني أن الدول التي فيها دخل الفرد عالٍ متقدمة، والدول التي فيها دخل الفرد منخفض متخلفة. فوجدوا أن هناك دولًا دخل الفرد فيها عالٍ جدًا ومع
ذلك متخلفة، فقالوا إذًا دخل الفرد لا يصلح كمعيار. حسنًا، لنستخدم مقياسًا آخر وهو مدى الإنتاج الصناعي للدولة فوجدوا الإنتاج الصناعي للدولة في بعض الدول مرتفعاً ومن الدول الصناعية السبعة وفي أزمات ذلك في الدخل عندها وليست من الدول المتقدمة. قالوا حسناً، يصبح الجيش، عندما يكون الجيش قوياً تكون هذه دولة متقدمة، وعندما يكون الجيش ضعيفاً تكون هذه دولة غير متقدمة. فنظروا في دول متقدمة جيش مثل ألمانيا ومثل اليابان
ومثل سويسرا، قالوا: حسنًا، استمروا هكذا. وبعد ذلك ظهر شخص اسمه كانون، مختص بدراسات التنمية، وقال: لا، هذا المقياس يرتبط بأسلوب الحياة اليومية، برنامج الحياة اليومية. فإن كان برنامجًا جادًا فهذه دولة متقدمة، وإذا كان برنامجًا غير جاد فهذه دولة متخلفة. فالشخص عندما يستيقظ فجراً ثم يذهب إلى العمل ويعمل ثماني ساعات، هي ثماني ساعات، ويتقن عمله خلال هذه الساعات الثماني،
ثم يعود فينام ليستيقظ للفجر غداً. هذه هي جدية الحفاظ على الوقت، والحفاظ على العلم والتعلم والتدريب، والحفاظ على الإتقان، والحفاظ على الاستمرارية، والحفاظ على النصيحة، والعمل بروح الفريق. استمر يتحدث كما هكذا نكون قد أخذنا هذا المعيار وطبقناه على شيئين: على الإسلام وعلى المسلمين. لنرَ هل النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بأن نضيع أوقاتنا ونلتفت لعبادتنا ونترك إتقان العمل ونعمل الشيء ولا نكمله ولا
نعمل بروح الفريق، أم أنه أمرنا بالعكس؟ فوجدنا أن الكلام الذي قاله لا علاقة له بنا. أصبح كأنه ليس له علاقة بالمسلمين ولا بغير المسلمين، كان يتحدث عن مقياس للتقدم والتخلف، فوجدت النبي يقول: "لا تزول قدم عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه". إذاً هو يتحدث عن الحفاظ على الزمن، ووجدت عمر بن الخطاب يحاسب نفسه بالأنفاس، إذاً... هو منتبه على مستوى النفس ووجدت الشافعي يقول: "الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك"، ووجدت عبر التاريخ هكذا. نجد في الجدية أمراً أمرنا به
الإسلام، ووجدت النبي يقول: "من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً يسّر الله له طريقاً إلى الجنة". ووجدته يقول: "أحب الأعمال إلى الله". أدومها وإن قلّت، إن الله يحب من أحدكم إذا عمل عملاً أن يتقنه. الدين النصيحة، لينوا في أيدي إخوانكم، هذه يد يحبها الله ورسوله. قالوا: النصيحة لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم. يعني دخل في السياسة وفي الاقتصاد وفي الحياة اليومية وفي كل شيء، الله يكون. الإسلام يدعونا بصراحة إلى الجدية، فيكون الإسلام هذا دين تقدم. اطمأننا على ذلك. رجعت ثانية بل أيضاً بنفس المقياس الذي
للأستاذ. دعنا نرى المسلمين. اسأل نفسك إن كنت تحافظ على الوقت وتكون جاداً في حياتك، وتقوم فتصلي الفجر في المسجد ثم تفتح الدكان أو تذهب إلى المصنع أو... في المدرسة أو المعمل، أتراعي ربنا في الثماني ساعات؟ أتتقن عملك؟ أتقبل النصيحة من إخوانك على جميع المستويات؟ حاسب نفسك وانظر أين العلة، وتأمل قول النبي حين يقول لك: "ابدأ بنفسك ثم بمن يليك، ابدأ بنفسك ثم بمن تعول". لا تلقِ المسؤولية على غيرك، ابدأ بنفسك. أنت جادّ في حياتك، فطلب مني أحدهم الطلاق وقال لي: نعم،
أنا جادّ في حياتي وكل ما تقوله أنا أفعله. قلت له: أنا لا أعرفك لكن أنت ناجح، أأنت ناجح أم لا؟ الذي غايته النجاح. قلت له: حسناً، يكفي، هذا ما أريده. أنت... أنا لا أعرفك، لكن إذا كنت... أنت في كل هذه الصفات تكون ناجحاً في حياتك. ما من أحد يا أخي قال لي أنني أملك كل هذه الصفات، فسألته وقلت له: "أنت فاشل؟" قال: "لا، أنا لست فاشلاً". لا أحد يكون كذلك. إذاً العلة فينا نحن. ابدأ بنفسك ثم بمن تعول، وربِّ أولادك أيضاً على هذه الجدية. لأن مجتمعنا لو أصبح جاداً يقبل النصيحة ويرفق بعضه ببعض، لا يرى أحد شخصاً يلقي قمامة في الشارع ويتركه، ولا يترك
القمامة دون أن ينصحه قائلاً: "يا أخي، إن ما تفعله خطأ"، ويمسك كيس القمامة ويلقيه في المكان الصحيح، لكنه يقول لك: "وما شأني؟ سلامة رأسي أهم". رأسي سالمة يكون ابني والطوفان أمثلة. خيبة اسمها الأمثلة والأمثال. الآية الخيبة، لأنه كيف تتعامل وأنت لست جاداً في حياتك أيها المسلم، وتلقي باللوم على الآخرين؟ يقول ربنا سبحانه وتعالى: "فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين". وإلى لقاء آخر نستودعكم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته