سورة المائدة | ح 995 | 54 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

سورة المائدة | ح 995 | 54 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة - تفسير, سورة المائدة
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة المائدة يقول ربنا سبحانه وتعالى آية من آياته الكريمة التي تحمي الأمة والتي تحمي الإنسان من الشك ومن الريب والتي تجعل الإنسان يسير في الطريق إلى الله سبحانه وتعالى. دائماً أبداً يُحدد ربنا معالم الطريق إليه ويقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ
عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ في هذه الآية يبين... الله سبحانه وتعالى حقيقة ينبغي أن نضعها نصب أعيننا ونحن في الطريق إليه وهي أن الله غالب على أمره وأن الله يتم ما يشاء أن يتمه وأن بقاء هذه الأمة ليس بحول المسلمين وبقوتهم وليس بإرادة البشر وإن أرادوا وليس بسعي
الأفراد وإن سعوا بل إن بقاء هذه الأمة أمر وعد الله به سبحانه وتعالى وتحدث به سبحانه وتعالى، قل صدق الله ومن أصدق من الله قيلاً. إذًا فبقاء هذه الأمة باقٍ حتى لو لم يرد المنافقون على المستوى الفردي أو على المستوى الجماعي، أو لم يرد الأعداء من خارج الأمة على المستوى الفردي أو على المستوى الجماعي. فإذا أرادوا. إنهاء هذه الأمة وإذا أرادوا الإحاطة بها وإذا
حاربوها كل الحرب فإنها باقية وسوف تزيد على ما بشر الله به رسوله صلى الله عليه وسلم حيث قال له إنا أعطيناك الكوثر يعني الشيء الكثير. بعضهم جعلها في أهل البيت الكرام فإن النبي صلى الله عليه وسلم شهد أبناءه يموتون أمامه. من الصبيان ومن البنات رقية وأم كلثوم وزينب حتى أنه أخبر فاطمة عليهن السلام أنها أسرع الناس لحاقاً به، فماتت بعده بستة شهور وكانت أسرع أهله لحاقاً به صلى الله عليه وسلم. رأى أهله يموتون أمامه ولكن
الله حافظ عليهم، وعندما حدثت الفتنة فإن الحسن لم يبق من ذريته إلا المثنى والأبلج والحسين هلك جميع أولادهم ولم يبق منهم إلا زين العابدين، ومن هؤلاء الثلاثة انتشر النسل الشريف حتى أصبح الشرفاء الأشراف الآن من أهل بيت المصطفى صلى الله عليه وسلم في العالم أكثر من عشرين مليوناً. ومن الذي حافظ، والنبي فيما أخرجه الترمذي يقول: "تركت فيكم ما إن تمسكتم". به لن تضلوا بعدي أبداً: كتاب الله وعترة أهل بيتي، وهو يرى أن الكتب
السابقة حُرِّفَت وضاعت وتلاعب الناس بها كل ملعب، إلا أنه قال: "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" فحفظه، وقال: "إنا أعطيناك الكوثر" فحافظ على أهله، وهذه الأمة باقية إلى يوم القيامة حتى قال النبي صلى عليه وسلم من تعليم ربه: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم إلى يوم القيامة". فبقيت إذاً، فهذه بشرى لأهل الإسلام أن الأمة باقية حتى لو حاربتها الفرس والروم واليهود والمشركون، ثم حاربها بعد ذلك الصليبيون والمغول، ثم حاربها بعد ذلك أنواع شتى من الاستعمار. الحديث
ثم حاربها بعد ذلك أولئك الذين قتلوا أبناءنا في البوسنة والهرسك وفي الشيشان وفي كشمير وفي كل مكان، ولكن بقيت الأمة والتسعى حتى بلغت مليارًا ونصف المليار في العالم كله. هل هذا من حولنا وتدبيرنا وتقوانا وقوتنا وما إلى ذلك؟ لا حول ولا قوة إلا بالله، فإننا نشكو إلى وضعف قوتنا وهواننا على الناس، أنت رب المستضعفين وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني أم إلى قريب ملكته أمري؟ إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي، ولكن رحمتك أوسع لي. هذا
الذي علَّمه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته في التوكل على الله وحسن التوكل عليه. الله سبحانه وتعالى نشمه ونراه عندما نقرأ قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا"، فوجه كلامه إلى المؤمنين "من يرتد منكم عن دينه"، فحذرهم على المستوى الفردي وعلى مستوى جماعة ضلت فانحرفت، وأنهم لن يغنوا عن أنفسهم شيئًا، وأن الأمة ستسير كما هي بأمر الله وبإذن الله وبخلق الله فلا يكون. في كونه إلا ما أراد وعبر التاريخ انحرف
منحرفون عن الجادة فخرجت فرقة تعبد سيدنا علياً وكانت تُسمى بالسبئية، وقيل إن علياً رضي الله تعالى عنه حرقهم بالنار، فقالوا: ها ربنا يحرقنا بالنار، وفنيت حتى أن أحداً لا يسمع بها، حتى أن كثيراً من الباحثين يشككون في وجودها أصلاً ويرون. إن هذه الروايات أصلاً لم تحدث من شدة انتهاء هذه الفرق واندثارها في التاريخ، وجاء قوم فانحرفوا مع الحاكم بأمر الله الفاطمي انحرافاً شديداً حتى عبدوا تاسوعاً مكوناً
من تسعة أشخاص عن جادة الإسلام، وبقيت الأمة تسير في طريقها، وجاؤوا فعبدوا الباب وعبدوا البهاء وانحرفوا وخرجوا من دين الله ولكن... بقيت الأمة وازدادت على ما هي عليه، كلما تأتي فرقة فتنحرف وتخرج عن الجادة وترتد عن الدين، فإن الأمة تكمل مسيرتها بإذن الله، لأن الله سبحانه وتعالى قد أذن أن تبقى هذه الأمة إلى يوم الدين من غير حول منا ومن غير قوة. "يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم". عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة
على المؤمنين. يشرح حال الأمة فيما بينها، لينوا في أيدي إخوانكم. استووا، كان سيدنا رسول الله هكذا قبل الصلاة يقول هكذا: "استووا" أخرجه النسائي. استقيموا يرحمكم الله، ساووا صفوفكم فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة. إن الله لا ينظر إلى الصف. المنهج المعوج جميل هكذا أي شيء عليمته أمه في صلاتها وفي زكاتها وفي صيامها وفي حجها. وكان النبي صلى الله عليه وسلم في الحج إذا رأى فسحة أسرع وإذا رأى زحاماً تباطأ حتى لا يضر
أحداً. علمنا الرحمة فيما بيننا وفيما بيننا وبين الخلق، يحبهم ويحبونه، أذلة على المؤمنين أعزة إذا كانت هناك عزة وليس فيها تكبر، كنا نسأل مشايخنا علماء الحديث عن رواية هي حديث موضوع يقول: "التكبر على أهل الكبر صدقة" أو شيء من هذا القبيل، فذهبنا إلى الشيخ وقلنا: "يا سيدنا، هذا الحديث من الذي رواه؟" فقال: "هذا ليس حديثاً، لا يصح، فالنبي عليه الصلاة
والسلام يقول: مَن كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كِبر فلا ينفع أن تتكبر على المتكبرين فإن ذلك ذلة له. قال: يا بني لا تتكبر لا على المتكبرين ولا على الذين ليسوا متكبرين. حال المؤمن أن لا يترك مبادئه أبدا حتى لمصلحة موهومة يتوهمها أو يلقي الشيطان في خاطره توهمها لا نتكبر على المتكبرين ولا نتكبر على المتواضعين بل حال التواضع لا يتجزأ ولا نتكبر. إن هناك عزة، هذه العزة مؤداها أننا لا نطلب إلا من الله، وإذا سألت فاسأل
الله، وإذا استعنت فاستعن بالله. هذه هي العزة، أي أن يكون المرء عفيفاً لا يطلب شيئاً من أحد، إنما عليه من الله هذه عزة، والعزة على الكافرين تأتي بأننا معنا البرهان، وأننا لا نتعالى عليهم، وإنما نفتخر عليهم بأننا أصحاب برهان. هذه عزة، فالعزيز لا يكون متكبراً، إنما العزة في لغة العرب الصلابة والشدة. فلا نلين للكافرين سواء بطلب
أو سؤال أو استعانة أو بتكبر، فلا نفعل ذلك أبداً معهم. وهذه هي عزة المؤمن، وإلى لقاء آخر نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.