سورة المائدة | ح 997 | 54 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

سورة المائدة | ح 997 | 54 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة - تفسير, سورة المائدة
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة المائدة وعند قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ ولا يخافون لومة لائم إلى آخر الآية، هذه الصفات هي صفات أولئك الذين يريد الله لهم البقاء، فالأمة تبقى وتبقى قوية في رضا الله إذا ما توافرت
فيها هذه الصفات. أفراد يعرفون ويؤمنون ويشعرون بأن الله يحبهم. عندما يسير الإنسان هكذا ويشعر أن الله يحبه، فإن ذلك يولِّد لديه الثقة والثقة بالنفس هي أساس النجاح، انتبه أنك تشعر بأن الله يحبك. وهناك شخص يقول لي: "يا مولانا، أنا أشعر بأن الله غاضب علي". ما حالة الذي يشعر بأن الله غاضب عليه؟ إنه مضطرب، {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ}.
الذي يشعر بأن الله لا يحبه يحسب كل شيء صيحة كيف وهو يمشي هكذا تعثر، فقام لينظر إليه، وقال: ها هو الله ينتقم منك. ذهب إلى البيت فوجد زوجته حزينة، فسألها: ماذا حدث؟ قالت له: الولد مريض. فقال: ها، ألم أقل لك؟ هذه البداية فقط، "يحسبون كل صيحة عليهم". لا، المؤمن ليس هكذا، المؤمن ليس هكذا، المؤمن عندما يكون ماشياً... انحصرت في هذه الغرفة فالحمد لله، عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير، إذا أصابته ضراء
صبر، وإن أصابته سراء شكر. هكذا المؤمن لا يحسب أن كل صيحة عليه، وأن الله كأنه واقف له وحده وينتقم منه، وكلما حدث شيء يولول أن الله ضده، لا. الأمة التي يرضى عنها الله للبقاء هي أمة تثق بنفسها، وهذه الثقة جاءت من أنها تشعر وتعلم وتتيقن وتعتقد أن الله يحبها. فإذا ما أصابتها الضراء صبرت وشكرت، حتى إن الشكر
في الصبر عبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "الحمد لله على كل حال"، يعني عندما يقول. الحمد لله، ولكن يكون سراء عندما يقول الحمد لله على كل حال، ويكون في ضراء حين تأتي مصيبة وتنزل، فيقوم ويقول الحمد لله على كل حال. وعندما تحدث شيء جميل، فيكون الحمد لله. الحمد لله الذي لا يُحمَد على مكروه سواه. انظر إلى هذا الكلام، انظر إلى هذا الكلام. نعم، لديك ثقة تخرجك من طائفة أولئك الذين يحسبون كل صيحة عليهم، وتقرأ الكون لصالحك، فإن تعثرت
في الطريق قلت الحمد لله، وإذا ذهبت فوجدت زوجتك عابسة الوجه ومتضايقة منك، تقوم وتقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، إنا لله وإنا إليه راجعون، فتقول لك: إن الولد مريض، واللهم اشفه. انظر، زيادة، كله هو رضا، توكل، تسليم، دعاء، شكر، ذكر. هذه حال المؤمن، حتى الشوكة التي تصيب المؤمن يكون له بها ثواب وهكذا. طيب، أنا ثوابي كثير. قال: يرفع بها درجة ويحط عنه بها خطيئة ويُعطى له بها أجر.
إذن ليست الحكاية فقط محو السيئات ولا. إضافة الحسنات هذا أيضًا في رفع الدرجات، وأنت تسير مع ربنا هكذا، تقرأ الكون بهذه الصفة فتكون قراءة من يرى أن الله يحبه. ومن هنا يأتي كلام المسلمين كما علمهم رسول الله وعلمهم الأئمة، وكذلك الخيرة فيما اختار الله، الخيرة هكذا فيما اختار الله، وهكذا الصفة الأولى للأمة الباقية. المرضيُّ عنها من الله سبحانه وتعالى، والله يعطينا فرص العودة والتوبة ويمدُّ لنا، ويجوز
أن نرجع إلى هذه الصفات، فنعلم ونتيقن ونشعر في قلوبنا بحبه لنا. إنها مسألة سهلة، ثم بحبنا له. فإذا كان هناك عطاء، فهو "يحبهم ويحبونه". وروابط الأخوة فيما بيننا، "وكونوا عباد الله إخوانًا"، "أذلة على المؤمنين". الأخوة أظهرها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في داخل الأسرة، فتصفه عائشة رضي الله تعالى عنها فتقول: "كان في مهنة أهله" أخرجه البخاري. "مهنة"
و"مهنة" لغتان جائزتان هكذا، إنما الذي في البخاري "كان في مهنة أهله" صحيح. فماذا يعني "في مهنة أهله"؟ يده في يدها، أذلة على... المؤمنين كان يرقع ثوبه ويخصف نعله. ما هذا؟ هذه حالة عالية جداً. انتبه، أنت تتحدث عن سيد الخلق، عن المصطفى، عن النبي صلى الله عليه وسلم. لكنك تتحدث أيضاً عن قائد الجيوش، وتتحدث عن قاضي قضاة المسلمين، وتتحدث عن زعيم الأمة، وتتحدث عن المعلم الأول، وتتحدث عن سيد. الخلق ليس
فيه شيء من الفخامة الملكية، أي أقول ملكية وليس ملوكية لأن النسبة تكون للمفرد فنقول ملكية، فليس هناك شيء من هذا القبيل نسبة إلى الملك الذي جمعه ملوك. إنه نبي، إنه قدوة حسنة صلى الله عليه وسلم، وإنما أخذت منه المهابة صلى الله عليه. وسلم وكان عليه جمال ومثلك لم تر قط عين وأحسن منك لم تلد النساء خُلقت مبرأً من كل عيب كأنك قد خُلقت كما تشاء عليه الصلاة والسلام وأبيض يُستسقى الغمام بوجهه. إذاً،
فهذا السيد علّمنا كيف نكون فيما بيننا داخل الأسرة من أولئك أذلة على المؤمنين وكذلك في حق الجار. وكذلك كان بلال وسلمان وصهيب يجلسون في مكة فمر عليهم أبو سفيان وقد أسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم يعلم أن أبا سفيان رضي الله تعالى عنه كان يحب الفخر، فقال: "ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن"، يعني فعل ذلك ليُشعره بمكانته، فكأنه يقول: انتبهوا، أنا سيد قريش.
حسناً، أي عندما مرّ على هؤلاء - انتبه من هم: بلال وسلمان وصهيب، وللعلم جميعهم كانوا تحت الرق وجميعهم أُعتِقوا، وبلال هو الذي أعتقه سيدنا أبو بكر - فمرّ سيدنا أبو سفيان، فأرادوا أن يقولوا كلمتين هكذا، فقالوا: "نرى أن سيوف المؤمنين لم تأخذ حقها من دماء الكافرين". هل انتبهت أيضاً؟ لا يليق سيدنا
رسول الله، يعني انظر الفرق بين هؤلاء سادة الخلق: سلمان وبلال وصهيب، هؤلاء هم سادة الخلق، فإذا بهم يقولون هذه الكلمة. فذهب أبو سفيان إلى أبي بكر حزيناً وقال: أيرضيك ما قاله أصحابك؟ فذهب إليهم أبو بكر وقال: ماذا قلتم للرجل؟ إنه شيخ العرب، أو أغضبتموه؟ سيدنا أبو بكر أراد أن يعلمهم الشيء الراقي، لكنه قالها لهم بشدة وذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وحكى له، فقال: "يا أبا بكر، إياك أن تكون
قد أغضبتهم، فإن كنت قد أغضبتهم فقد أغضبت الله". لم يقصد أبو بكر ذلك، بل قصد أن يعلمهم، فذهب. وقال: "يا إخواني، أأغضبتكم؟" قالوا: "لا، عفا الله عنك." وإلى لقاء آخر، نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.