سورة المائدة | ح 999 | 55 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة

سورة المائدة | ح 999 | 55 | تفسير القرآن الكريم | أ.د. علي جمعة - تفسير, سورة المائدة
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع كتاب الله وفي سورة المائدة يقول ربنا سبحانه وتعالى: "إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون". في هذه الآية يذكر الله سبحانه وتعالى من القريب إلينا ومن. وعلينا بعد أن نهانا في البداية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾، وذكرنا أن الولي
هو القريب لأنه المطر الذي ينزل بعد الوسمي، فالوسمي أولاً والولي بعده بقليل، فكل قريب سُمي بالولي. وهنا: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ﴾ يقول لي: لا تجعل هذا يُفتت الأمة، حسناً. مَن الذي سيربط الأمة لو دخل الغريب في هذه الأمة ففتتها مصالحه التي تبدو مختلفة؟ فمن الذي سوف يربط هذه الأمة؟ فجاءت الإجابة بعد هذا العرض الطويل يقول فيها: "إنما"، وكلمة
"إنما" في لغة العرب تفيد القصر. قصر ماذا؟ قصر منيف؟ لا، القصر معناه أن هذا الحكم مقصور وهو... فقط لهذا الشيء قَصَر الولاية على من ذكر الله ورسوله والمؤمنين، هؤلاء هم الأولياء. إنما تبقى "إنما" نحفظها حيث تفيد القصر. وليكم القريب الذي سوف يجمع أمتكم "واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم
إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً". إذن هذه الأمة ستنشأ. كيف ستكون وكيف ستستمر، كيف بالله؟ فإذا استبعدنا الله من منظومتنا فلا بقاء لنا. يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فلا بقاء له، فسوف يأتي الله بقوم آخرين. أي إن هذه الأمة بإذن الله باقية، وبقاؤها يتمثل في ولايتها لله. "إنما وليكم الله". انتهينا من سبب البقاء. سبب الاستمرار وسبب القيام هو الله، وهو أن نجعل الله ولياً
لنا، "إنما وليكم الله". الحمد لله الذي منّ علينا بأن أنزل كتاباً كلاماً، فإذا ما أردت أن تناجي ربك أمسكت المصحف وقرأت فسمعت كلام الله، هذه نعمة كبيرة. وإذا أردت أن تخاطب ربك هرعت إلى الصلاة فتوضأت. أو اغتسلتَ واستقبلتَ القبلة بعد طهارة المكان وطهارة الثياب، وثيابك طاهرة، وتقف مستقبلاً القبلة وتصلي فتناجي ربك، تتكلم مع ربك قائلاً
له: "الحمد لله رب العالمين"، وتصف الرحمن الرحيم. أنت تتكلم معه وتركز في الصلاة، فهذه نعمة كبيرة. فولاية الله تتأتى بالاطلاع على كتابه، وعندما نطلع على كتابه نجد أنه... يأمرنا بالتفكر والتدبر والتأمل والاستماع، وإذا تُتلى عليه آياتنا في نوعين، يقول لك: "ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوًا أولئك لهم عذاب مهين" و"إذا تُتلى عليه آياتنا
ولّى مستكبرًا كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرًا فبشره بعذاب أليم". في ذلك ما... هل هو راضٍ أن يسمع: "ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة"؟ ومن الناس... يعني انظر كيف يكون قد قدم لك بأن الله سخر لك ما في السماوات وسخر لك ما في الأرض وأسبغ عليك نعمه ظاهرة وباطنة، ولكن هناك من يتجرأ على الله سبحانه وتعالى بغير علم ولا هدى ولا كتاب مبين، وإذا
قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير. إذاً إنما وليكم الله، فلتذهبوا لتقرؤوا الكتاب وتتدبروه، أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ. دَائِمًا يَقْرُنُ مَا بَيْنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. اللَّهُ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي تَجَاوَزَ الزَّمَانَ وَرَسُولُهُ طَبَّقَ الْكِتَابَ، فَالسُّنَّةُ هِيَ التَّطْبِيقُ الْمَعْصُومُ لِكَلَامِ اللَّهِ. يُوجَدُ
كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ طَبَّقُوا كَلَامَ اللَّهِ لَكِنَّ تَطْبِيقَهُمْ لَيْسَ مَعْصُومًا. يكون صحيحًا وقد يكون فيه اجتهاد خاطئ، إنما الذي لا يجتهد فيه إنما هو وحي يوحى هو سيدنا رسول الله، فرسول الله كان قرآنًا يمشي على الأرض. رسول الله أخوفنا بالله من الله وأعلمنا بالله، ولذلك وهو مرضي عنه من الله وموفَّق ومهدي من الله سبحانه وتعالى جعله أسوة حسنة. لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً،
وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا. إذن إذا كان مولانا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته لأنها هي التطبيق المعصوم البشري، فكلام ربنا عالٍ جداً، ولكن عندما... ننزل به إلى البشر، نعم، سيدنا رسول الله نزل به إلى واقع البشر فطبقه وحكم به بين البشر فأحسن الحكم، "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون"، "إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا". أيضاً حتى قال ابن مسعود: انتبهوا يا إخواننا، هؤلاء المؤمنون ما رآه المسلمون.
حسناً، فهو عند الله حسن، ومثل هذه الآيات "إنما وليكم الله ورسوله والذين..." هذه تدل على أن الإجماع حجة، لأن الناس كلها مجمعين - المسلمين - على أمرٍ ما يصبح حجة خالصة، لا تستطيع مخالفته. جاء واحد وظهر هكذا وفكر في شيء مخالف لما عليه المسلمون كلهم، لكن بشرط أن كلهم، جميع المسلمين يحرمون الخمر، وجميع المسلمين يحرمون الزنا والخنا والفاحشة والشذوذ، وجميع المسلمين يحرمون القتل والسرقة وشهادة الزور والكذب، وجميع المسلمين يوجبون الصلاة
والحج والزكاة وصيام رمضان، وجميع المسلمين يقولون إن الزواج وإن البيع وإن الطلاق حلال، وجميع المسلمين يقولون إن حجاب المرأة واجب. هذه أمور متفق عليها لم فيها اثنان ولم يتناطح فيها كبشان، فيأتي شخص ويخرج لنا قائلاً: "والله، لماذا ستضيعونها؟ أليست الخمرة أيضاً حلال في الجنة؟ فتكون حلال في الدنيا!" لا، هذا غير صحيح لأنها ليست كذلك، فيها غول ولا تغتال العقل، هذا غير مقبول. أو يظهر لي شخص هكذا ويقول لي: "أنا من..." رأيي أنه لا يوجد حجاب لا يصلح، ومن
رأيي أننا لا يصح أن نأكل الخنزير، لأنه ولنا الذين آمنوا كل هؤلاء عبر التاريخ وفي كل زمان ومكان. وإلى لقاء آخر، نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.