شرح الأربعين النووية | حلقة 10 | حديث 9 | أ.د علي جمعة | English Subtitle

شرح الأربعين النووية | حلقة 10 | حديث 9 | أ.د علي جمعة | English Subtitle - الأربعين النووية, حديث, سيدنا محمد
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، مع هذا المجلس الحديثي المبارك ومع الحديث التاسع من الأحاديث الأربعين النووية التي ذكرها الإمام النووي في كتابه الماتع، عن
أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عبد الرحمن بن صخر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم، فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم" رواه البخاري ومسلم. في هذا الحديث الذي اعتبره الإمام النووي وعدّه من الأحاديث المكوّنة لعقل العالم المجتهد والمفكر والعامي المسلم وهو يسعى بإسلامه في... تلك الحياة، يجب عليك أن تعلم أن الدين بُني على قلة السؤال وليس
على كثرة السؤال، وبُني على أن نفهمه بالإجمال ولم يُبن على أن نشقق فيه وأن نتنطع في السؤال. فكثرة السؤال والتنطع في الدين أمر مذموم نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال إن هذا الدين. تَمَعَّنْ في الدين وتعمق فيه برفق، فإن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى، ونهانا عن كثرة السؤال، قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تُبدَ لكم تسؤكم ولا تسألوا عنها حين
ينزل القرآن تُبدَ لكم عفا الله عنها"، ثم قال في الآية التي بعدها: "قد سألها قوم". من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين بسببها كافرين فربنا يرشدنا إلى قلة السؤال وامتثل الصحابة لذلك وعندما تتأمل في القرآن الكريم تجد سورة البقرة السورة الأولى في القرآن بعد الفاتحة والفاتحة من السور القصار سبع آيات والبقرة من أكبر سورة في القرآن ذكر الله فيها الخلقة وآدم والقصص وموسى مع بنو إسرائيل ذكر الله فيها الأحكام
وذكر الله فيها القتال وذكر الله فيها الحجة وذكر الله فيها الصيام وذكر الله فيها أحكاماً كثيرة سواء في العبادات أو في العلاقات الدولية أو كان ذلك في المعاملات أو في الأحوال الشخصية، مليئة صورة كبيرة. فلما سُميت بالبقرة لا بد أن الله سبحانه... وتعالى يريد أن يلفت نظرنا إلى قصة البقرة، يريد أن يجعل ذلك أساساً من أسس الدين، ويريد أن يقول: وكان يمكن أن تسمى آدم، موسى، سورة بني إسرائيل، سورة الأحكام الكبرى، سورة أي شيء من هذا القبيل، ولكنه أسماها سبحانه
وتعالى البقرة من أجل أن تذهب إلى قصة البقرة وأن تفهمها وأن تجعلها منهج حياة وهو أن بني إسرائيل عندما أُمِروا بشيء فإنهم كرروا السؤال مرة بعد مرة وفتشوا في الجزئيات وتعمقوا في هذه الأسئلة حتى ضلوا أو كادوا أن يضلوا. فربنا - إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة - فلم يرضوا بهذا الأمر وجلسوا يسألون عما هي وعن لونها وعما هي. مرة ثانية وفي كل مرة يشدد الله عليهم، ولو كانوا ذبحوا بقرة أي بقرة من أول الأمر لكفى، لكنهم تماطلوا في السؤال فشدد
الله عليهم. ولذلك فنحن مأمورون شرعاً بأن لا نسأل كثيراً. وظاهرة كثرة السؤال وإن كانت قد تشتمل على مسألة إيجابية وهي أن الناس تريد معرفة أحكام دينها إلا إنها تشتمل أيضاً على مسألة سلبية وهي أن الناس يفتشون ويتعمقون ويخالفون مراد الله ومراد رسوله من هذا الدين ومن رحمته ومن سعته ومن جماله، ولكن أكثر الناس يريدون أن يشددوا على أنفسهم أو يريدون أن يتلاعبوا بالدين أو يريدون أن يقفوا عند حد السؤال والمعرفة دون حد التطبيق كانت. كان الصحابة يقرؤون القرآن
خمس آيات خمس آيات، ويقفون عند كل مجموعة من الآيات ليتدبروها "أفلا يتدبرون القرآن"، ويأخذون منها منهج الحياة، ويأخذون منها الأحكام، ويطبقونها على أنفسهم، ثم بعد ذلك ينتقلون إلى خمس آيات أخرى. بذلك طبقوا تدبر القرآن، وطبقوا التدرج في التطبيق، وطبقوا عدم التشدد والتنطع في. الدين وكانوا لا يسألون سؤالين. يقول لك: من أين أحضرت هذا البلح؟ فلو قلت له مثلاً: من البقال، خلاص، لا يسأله مرة ثانية. كان السلف الصالح لا يسأل عن الشيء إلا مرة واحدة. من أين لك هذا؟ تقول: اشتريته. لا
يسأله: من أين أتاك المال ومن أين اشتريته؟ وهل هو حلال أو حرام أبداً؟ هم يسألون سؤالاً واحداً، فإن حصلوا على الإجابة فبها ونعمت، وإلا فإنهم لا يسألون مرة أخرى. إذاً، فهذا الحديث يبين لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن مساحة الترك سهلة، سهلة أن يترك أحدنا شرب الخمر والزنا والكذب وغير ذلك إلى آخره. ما نهيتكم عن شيء فاجتنبوه لأن الترك لا يكلف شيئًا إلا منع النفس أن تفعل هذه المعصية. أما في جانب الفعل فأتوا ما استطعتم. اتقوا الله ما استطعتم. إذًا فالله سبحانه وتعالى رحيم بعباده، والترك
أخف من الفعل، ولذلك اترك كل المنهيات، ثم أيضًا افعل ما تستطيع من المأمورات والمأمورات. والحمد لله محصورة قليلة وأهمها الصلاة، إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر، وأهمها أن تحافظ عليها "وحافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين". فلا بد عليك، ولأن الصلاة عماد الدين وذروة سنامه، فلا تصح من غيرها أي عبادة ولا تكون هناك بركة إلا فيها، ولذلك يجب. علينا أن نتمسك بالصلاة، "إنما يعمر مساجد الله
من آمن بالله"، فلا بد أن نحافظ على الصلاة. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.