شرح الأربعين النووية | حلقة 11 | حديث 10 | أ.د علي جمعة | English Subtitle

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع هذا المجلس الحديثي المبارك نقرأ الحديث العاشر من أحاديث الإمام النووي في أربعينه عن
أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى طيب لا يقبلُ إلا طيباً، وإنَّ اللهَ أمرَ المؤمنينَ بما أمرَ به المرسلين، فقال تعالى: "يا أيُّها الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً"، وقال تعالى: "يا أيُّها الَّذينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ ما رَزَقْنَاكُمْ"، ثم ذكرَ الرجلَ يُطيلُ السفرَ أشعثَ أغبرَ، يمدُّ يديهِ إلى السماءِ: يا ربِّ، يا ربِّ، ومطعمُهُ حرامٌ ومشربُهُ. حرامٌ وملبسه حرامٌ وغُذِّيَ بالحرام فأنّى يُستجاب لذلك. رواه مسلم. هذا الحديث يبين أهمية الدعاء وأن
الدعاء له شروط، وأن من أعظم شروط استجابة الدعاء أكل الحلال ولبس الحلال وفعل الحلال. قال تعالى: "وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون". الاستجابة والإيمان، فلا بد علينا أن نؤمن بالله وأن نستجيب لأمره ونهيه ولوحيه سبحانه وتعالى. عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، وفي صرف كلمة هريرة خلاف عند العلماء، فالجمهور على أنها ممنوعة من الصرف ولذلك تكسر بالفتحة عن أبي هريرة رضي
الله تعالى عنه، وآخرون يقولون وهم القلة أنها... غير المَصروفة، وإذا نَطَقوا بها يقولون عن أبي هُريرة رضي الله تعالى عنه. وألَّفَ أحد الهنود في ذلك "إزاحة الحَيرة في صَرف أبي هُريرة"، ولكن الذي عليه جماهير مشايخنا "عن أبي هُريرة" هكذا بفتحة، وهي تدل على الكسر لأنها هنا ممنوعة من الصرف. وكان شيخنا العلامة الأجل الشيخ عبد الله الصديق الأماري كان يرى صرفها وأنه ليس هناك ما يوجب منعها من الصرف، وكان إذا
قرأنا عليه نقرأ عن أبيه الله سبحانه وتعالى. بل ينبغي علينا إذا أنفقنا نفقة في سبيل الله أن نتخيرها من أطيب أموالنا حلالاً طيباً ننفقه، فإن الله سبحانه وتعالى طيب لا يقبل إلا طيباً. ومن هنا أخذ العلماء حكماً وهو أن الإنسان الذي دخل ماله ودخل عليه المال الحرام فإنه يجب عليه أن يتخلص منه،
فإذا فقد صاحبه أو لم يعرفه أو لم يكن يعرفه أصلاً، فالحيلة في ذلك أن يرفع يده عن ذلك المال وينفقه للفقراء والمساكين والمحتاجين، لا على أنه صدقة لأن الله سبحانه وتعالى طيب لا يقبل إلا طيباً، وإنما سبحانه وتعالى أمره حينئذٍ أن يتخلص من هذا المال، وثواب ذلك المال يعود لأصحابه أو لصاحبه لا للمتخلص منه. إنما يفعل المتخلص ذلك ابتغاء ألا يُحاسب عليه وإعلاناً لتوبته، وليس على سبيل الصدقة التي هي تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء. النار ويعلمنا رسول الله صلى
الله عليه وسلم كيف نفهم القرآن وكيف نأتي بالنظائر وبالأشباه ونستنبط منها المعاني، فلما وجَّه الله سبحانه وتعالى الأمر للرسل بأكل الطيبات ووجَّه ذلك الأمر أيضاً للمؤمنين، لفت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنظارنا بأن الله سبحانه وتعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين. وحينئذٍ نعلم أن الرسول أتى من أجل التبليغ ومن أجل أن نجعله أسوة حسنة "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرًا" وجُعِل النبي صلى الله عليه وسلم مثالًا يُحتذى، ولذلك فإنه
أمرنا بطاعته "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا. يُؤخذ من هذا أن الله سبحانه وتعالى أرسل المرسلين من أجل أن يقلدهم عباد الله سبحانه وتعالى في الأرض. ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبرا، ولكن يمد يديه إلى السماء: "يا رب يا رب"، وقد فقد وافتقد شرط استجابة الدعاء، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذي بالحرام. فالحرام تخلل من خلال الغذاء كل جسده، فأنّى يُستجاب لذلك، كيف يُستجاب لمن لم يطب مطعمه.
وفي الحديث: "أطب مطعمك تكن مستجاب الدعاء". وطيب المطعم يتأتى بأمور منها الرزق الحلال، فالإنسان لا بد عليه أن يتأكد من أن رزقه حلال، يمتنع عن السرقة وعن الرشوة وعن الاغتصاب وعن حلوان الكاهن. وعن ثمن الكلب وعن مهر البغي وعن كل ما يغضب الله سبحانه وتعالى من الأرزاق، ثم بعد ذلك عندما يُحرِّر ماله من الحرام فإنه لا يأكل الحرام، فيبتعد عن الخمر وعن الخنزير وعن الميتة وعن غير ذلك من أنواع الحرام، لا يُدخل
على نفسه الربا ولا الغرر ولا العقود الفاسدة. ثُمَّ إنَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَأْكُلُ أَيْضًا مَالَ اليَتِيمِ وَلَا يَفْعَلُ كُلَّ مَا نَهَى اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْهُ، حِينَئِذٍ فَإِنَّ دُعَاءَهُ يُسْتَجَابُ. وَالدُّعَاءُ المُسْتَجَابُ مُهِمٌّ لِلْمُسْلِمِ وَلِحَيَاةِ المُسْلِمِ. كَانَ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى مِثَالًا يُحْتَذَى فِي تَبْرِئَةِ طَعَامِهِ، فَكَانَ لَا يَأْكُلُ إِلَّا مِمَّا يُرْسِلُهُ أَبَوَاهُ إِلَيْهِ مِنَ الطَّعَامِ وَكَانَ. يصوم كل يوم وكان رضي الله تعالى عنه يتحرز من أن يأكل شيئاً فيه شبهة ولو كانت بعيدة كأوقاف دمشق مثلاً في الفواكه
ونحو ذلك وكان مستجاب الدعاء رحمه الله تعالى. أطب مطعمك تكن مستجاب الدعاء. وهناك ناحية ثالثة في طيب المطعم وهو أن يكون مذاقه حسناً وأن يكون الإنسان ليس شرهاً في تناول الطعام حتى يتلذذ بطعم الطعام، وهنا نرى بحسب ابن آدم لقيمات يُقمن صلبه، فإن كان ولا بد فاعلاً، فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه. فكان النبي صلى الله عليه وسلم إمام المتقين في قلة الطعام، وهناك أيضاً توجيهات السادة أولياء الله: قلة الكلام وقلة الطعام وقلة. المنام
وقلة مخالطة الأنام فهذه تفجر ينابيع الحكمة في قلب المؤمن. وإذا رأيتم الرجل أوتي صمتاً فهو يلقم الحكمة. يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً. أطب مطعمك تكن مستجاب الدعاء. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.