شرح الأربعين النووية | حلقة 12 | حديث 11 - 12 | أ.د علي جمعة | English Subtitle

بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ الحمدُ للهِ والصلاةُ والسلامُ على سيدنا رسولِ اللهِ وآلهِ وصحبهِ ومَن والاهُ، معنا اليومَ الحديثُ الحادي عشرَ من الأربعينَ النوويةِ، عن أبي محمدٍ الحسنِ بنِ عليِّ بنِ أبي طالبٍ سبطِ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلمَ وريحانتهِ رضيَ اللهُ تعالى
عنهما، قالَ: حفظتُ من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" رواه الترمذي والنسائي، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. "دع ما يريبك" وهو بالفتح من رابك الشيء، أراب يكون رباعياً، وحينئذٍ نقول: "دع ما يريبك"، وكلاهما صحيح، إلا أن الأفصح هو الثلاثي للرباعي "دع ما يريبك إلى ما يريبك والريب في لغة العرب على ثلاثة أنحاء، فالريب معناها التهمة.
قالت بثينة: "يا جميل أربتني" أي اتهمتني أو كنت سبباً في تهمتي. قلت: "كلانا يا بثين مريب"، يعني كلانا متهم في العشق وفي الهيام، لأنه كان يحبها. كان يحبها وكان يكثر الأشعار فيها. والريب بمعنى الحاجة، قال: "فلما قضينا". من تهامة كل ريب يعني كل شيء، والريب بمعنى الشك، وسبب هذا الشك أنه غير متيقن، ولعله في الحديث هنا يعني هذا: دع ما يسبب
لك الشك وكن مع ما لم يسبب لك الشك من اليقين، فإن اليقين لا يزول بالشك، والشك لا يرفع اليقين، والإنسان عندما يتأكد في حياته. من اليقين أو ما قرب اليقين من الظن الراجح ويترك الشك والريب فإنه يكون على بينة من أمره، فدائماً الإنسان يترك ما يُسبب الشك ويتأكد، وعليه باليقين. والنبي صلى الله عليه وسلم قال: "أرأيت الشمس؟ فعلى مثلها فاشهد". وكان النبي صلى الله عليه وسلم دائماً
يأمرنا بالبعد عن سوء الظن. ويأمرنا دائماً بحسن الظن، وكثيرٌ من مشكلاتنا تنفك وتنحل إذا ما تمسكنا بهذا الحديث النبوي الشريف: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك"، وبنى العلماء عليه قاعدة مهمة من القواعد الخمس الكبار التي اعتمد عليها الفقه الإسلامي، وهي: "اليقين لا يزول بالشك". الحديث الثاني عشر عن أبي... عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه". حديث حسن رواه الترمذي وغيره. إذاً من حسن إسلام المرء أن يترك ما لا يهمه. نهانا ربنا سبحانه وتعالى عن اللغو، واللغو كلام مباح في حد ذاته لأنه لو كان كلاماً محرماً لدخل في الحرمة من الغيبة والنميمة والبهتان وشهادة الزور والكذب وكل ما يتعلق بآفات اللسان، وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم، كما
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لمعاذ وهو يعلمه: "اضمن لي ما بين لحييك وما بين فخذيك أضمن لك الجنة". إذا فالحرام بيّن، وكذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، والكلمة الحسنة صدقة. فهذا كلام طيب مطلوب، لكن اللغو كلام مباح، إذا أكثر الإنسان منه فقد ضيع على نفسه واجب الوقت وهو ذكر الله سبحانه وتعالى، والذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يوصي ويقول: "لا يزال لسانك رطباً بذكر الله"،
فمن حُسن إسلام المرء ألا يُفتش عن شيء لا يعنيه، لأن ذلك من باب اللغو الذي يجر عليه ضياع الفوائد وضياع الوقت وضياع هذه الواجبات التي كان يمكن أن ينشغل بها. ورحم الله امرأً شغلته عيوبه عن عيوب الناس، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول أترى القذاة في عين أخيك وتدع جذع النخلة في عينك. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا دائماً بهذا المعنى: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه"، حديث حسن رواه
الترمذي وغيره. هذا من الأحاديث التي نص الأئمة الكرام على أنه أصل عظيم من أصول. الدين وعليه جملة من قواعد الشرع الشريف والتي يستمد منها الفقه ويستمد منها السلوك ويستمد منها العمل. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.