شرح الأربعين النووية | حلقة 14 | حديث 15 | أ.د علي جمعة | English Subtitle

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع الحديث الخامس عشر من الأحاديث الأربعين النووية، فيه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت، ومن..." مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه. رواه البخاري ومسلم. النبي صلى الله عليه وسلم قال عن نفسه: "إنما أنا رحمة مُهداة"، وقال عن نفسه: "إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق". وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بحسن الخلق، والمتتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم يجد أن جلها إنما هو في الأخلاق المرتبطة بالعقيدة، ومثال ذلك هذا الحديث النبوي الشريف الذي
معنا في هذه الجلسة المباركة: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر..." إذ نبدأ بالعقيدة، نبدأ بالإيمان بالله وبالإيمان بالوحي وبالرسل وبالأوامر والنواهي والتكليف، وباليوم الآخر الذي فيه الحساب. الثواب والعقاب إذا كنت تؤمن بهذه المنظومة وبهذه العقيدة وبهذه الرؤية الكلية التي تتحكم في سلوكك وفي حياتك فعليك أن تقول خيراً أو تصمت وعليك أن تكرم جارك وعليك أن تكرم ضيفك. أربعون خصلة أعلاها منحة العنز، العامل بواحدة منها رجاء ثوابها وتصديق موعودها أدخله
الله بها الجنة. هناك قائمة... من الخيرات من فعل الخير أعلاها منيحة العنز، ومنيحة العنز أن تمنح عنزتك لجارك من أجل أن يحلبها ثم يستفيد من لبنها ويردها إليك كما هي ليست منقوصة في شيء منها آخر النهار. فإذا فعلت هذا وأنت لم تتكلف شيئًا ولم تُخرج شيئًا من عندك، وإنما فقط أعطيت لجارك. هذه العنزة التي استفاد منها ثم ردها إليك هي أعلى خصلة من أربعين خصلة، إذا فعلتها وصدقت بوعدها عند ربك وبموعودها يوم القيامة تدخل
الجنة. ولذلك جلس الصحابة الكرام يتدارسون هذه الصفات التي تُدخلهم الجنة، فوجدوا أنهم لم يستطيعوا عَدّ ما دون منيحة العنز إلا خمس عشرة خصلة. فقط لا غيرها، منها التبسم في وجه أخيك صدقة، ومنها المساهمة في النقدين، ومنها أن تدل شخصاً على الطريق، ومنها أن تساعد شخصاً ضعيف البصر لا يستطيع أن يضع الخيط في الإبرة فأنت ساعدته على ذلك، فيكون لك بذلك ثواب يدخلك الجنة. مسائل عجيبة غريبة سهلة، ولكنها مرتبطة
بالعقيدة، فلأنك آمنتُ بالله، ولأنك آمنتَ بالوحي، ولأنك آمنتَ باليوم الآخر وبالحساب والعقاب والثواب وبفضل الله سبحانه وتعالى، ولأنك صدقتَ ربك، ولأنك فعلتَ هذا مخلصاً النية له راجياً موعوده، فإنك تكون بذلك قد اقتربت من الجنة، وبذلك فعلتَ الخير لوجه الله. يربط الحديث دائماً الأخلاق بالعقائد، ولذلك "فليقل خيراً أو ليصمت". الذي يؤمن بالله واليوم الآخر يفعل الخير ويمتنع عن الشر. أما أن تكون لك شفاعة في الخير فتكلم، لكن نهانا رسول الله عن الوقيعة بين الناس، ونهانا رسول
الله عن الحقد وعن الحسد وعن الغيرة، ونهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أن نؤذي جارنا وأن نؤذي الناس. أما بألسنتنا بالسخرية باللا مبالاة بالاستهزاء بالغيبة والنميمة، ولكن فليقل خيراً أو ليصمت. إذا كان الصمت علاجاً لمن غلبته نفسه وأراد أن يخرج من لسانه شيء يُحاسب عليه يوم القيامة، فليقل خيراً إذاً. أمرك بالأمر بالمعروف، بالنهي عن المنكر، بالنصيحة، بتلاوة القرآن، بالذكر، بالموعظة، بالدعاء،
أمرك بكل ما يخرج من اللسان الدنيا من تزكية النفس من البيان ونهاك عن أضدادها عن السب عن القذف عن الريبة والنميمة والبهتان وشهادة الزور والكذب عن اللغو عن كل ما يخرج مضاداً أو على غير جهة الخير ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره والنبي صلى الله عليه وسلم يقول لا يزال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه يعني يجعله من الورثة، يجعله من ذوي الأرحام. قد لا يزورني ابن عمي وابن خالي المدد الطويلة، ولكن جاري هو مغيثي
الذي استغيث به وقت المحن. والنبي صلى الله عليه وسلم جاءه رجل وقال له: إن جاري يؤذيني، قال: اصبر. إذًا فمن إكرام الجار أن... نصبر على أذيته صبر الرجل، ولكنه استمر الجار في الأذى، فجاء (إلى النبي) وقال: "يا رسول الله، إن جاري يؤذيني وأمرتني بالصبر فصبرت". قال: "إذن أخرج متاعك أمام بيتك، وقل لكل من يمر ويسألك لماذا تفعل هذا، قل له إن جاري قد آذاني". في آخر النهار جاءه الجار وقال: "أدخل ولا أُؤذيك أبداً، فالنبي صلى الله عليه وسلم استعمل الضغط الاجتماعي على هذا
الذي لا يريد أن يُكرم ضيفه ولا أن يكف عنه أذاه، "ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه". وكرم الضيافة عطاء وإظهار للحب، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعده من مكارم الأخلاق، كان يتبسم عندما... يذكر أو يتذكر عبد الله بن الجدعان، وكان عبد الله بن الجدعان يكرم ضيوف الرحمن في مكة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يفرح بذلك. فسألته عائشة: "أهو في الجنة؟" قال: "لا، هو في النار، لكنه لم يقل قط في يوم من الأيام: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين". وجاءته بنت حاتم الطائي وأكرمها فطمعت، وكان
يقول إن أباك يحب مكارم الأخلاق. طمعت في نجاة أبيها فقالت: أهو في الجنة؟ قال: لا، كان يفعل ذلك عن سمعة يتسمعها. فالنبي كان يبتسم ويضحك ويفرح عند ذكر عبد الله بن جدعان وذكر حاتم الطائي، إلا أنهما لم يكونا على الإسلام. السلام عليكم. ورحمة الله وبركاته،