شرح الأربعين النووية | حلقة 15 | حديث 16 - 17 | أ.د علي جمعة | English Subtitle

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. الحديث السادس عشر من الأحاديث النبوية الشريفة التي ذكرها النووي رحمه الله تعالى في كتابه الأربعين: عن أبي هريرة رضي
الله تعالى عنه أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني. قال: لا تغضب فردد مراراً، قال: "لا تغضب"، رواه البخاري. وفي رواية أنه قال: "لا تغضب ولك الجنة". والنبي صلى الله عليه وسلم لم يغضب لأمر من الدنيا قط، وكان يقول: "ليس الشديد بالصرعة، وإنما الشديد الذي يملك نفسه حين الغضب". وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعطينا فكرة الصدمة الأولى وأن يجب على الإنسان أن يتنبه إلى نفسه ولا يجزع ولا يغضب ولا يحزن في الصدمة الأولى، فمر على امرأة وهي تُظهر
جزعها على ابنٍ لها مات، فقال: "اصبري ولكِ الجنة". قالت: "إليك عني". فلما أعلموها أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، سعت وراءه وقالت: "يا رسول الله اصبر". قال: إنما الصبر عند الصدمة الأولى، كذلك الغضب، فالغضب عند الصدمة الأولى، كذلك أمور كثيرة يظهر معدن الإنسان عند الصدمة الأولى. والنبي صلى الله عليه وسلم عندما كان يغضب، كان يغضب لشرع الله، لأمر رباني ينتهك من قبل الناس، فكان لا يغضب إلا لذلك. وهذا الحديث من
القواعد الأساسية في السلوك. إلى الله تعرّف عندما لا تغضب وتعوّد نفسك على عدم الغضب. لا تخطئ، لا ينقلب عليك الحال. كثير من الناس يكون صاحب حق، فعندما يغضب يضيع منه الحق، لأن الغضب يُعمي ويُصم ويجعل الإنسان يتصرف تصرفات غير لائقة وغير مقبولة. ولذلك كان هناك رجل يشاتم أبا بكر رضي الله تعالى عنه. عنه يعني يغاضبه ويشتمه وكذا أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر صامت ثم رد عليه فأول ما رد عليه قام رسول الله صلى الله عليه وسلم من المجلس فقام وراءه أبو بكر
وقال يا رسول الله ماذا فعلت يعني كأنك غاضب قال لقد كان هناك ملك يرد عنك فلما بدأت في الكلام انصرف فانصرفت. إن الله يدافع عن الذين آمنوا. ظاهر الحال أمام الناس أن أبا بكر هو الضعيف وأن هذا الرجل الذي يشتد عليه في الكلام هو القوي، ولكن الحقيقة غير ذلك، فقد كان أبو بكر معه ملك من عند الله فهو القوي وهذا الرجل المسكين. هو يورث نفسه كل حين فهو الضعيف، ولذلك يجب علينا أن نتمسك بهذه الأخلاق النبوية المصطفوية، لأن الخير فيها، ولأننا سنرى هذا الخير ولو بعد حين، ولأننا لو
دمنا عليها لرأينا ثمرتها في قلوبنا وفي أنفسنا وفي من حولنا من الناس. الحديث السابع عشر عن أبي يعلى شداد بن أوس. رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته". رواه مسلم. هنا الرحمة، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما هو رحمة مهداة، "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"، وأول... حديث في المجالس الحديثية يحدثه
المحدث لتلامذته: "الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، يرحمكم من في السماء". روايتان عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما. أُمرنا أن مَن رحم من في الأرض، ومن هنا يدخل فيها العاقل وغير العاقل بل... قد يدخل فيها الجماد، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرحم الجماد. كان يخطب على جذع وتركه عندما جاء المنبر الذي صُنع من عيدان، فسمع الصحابة للجذع أنيناً في المسجد لفراق رسول الله صلى الله عليه وسلم له، فترك
النبي الخطبة ونزل واحتضنه إلى صدره الشريف حتى سكت، وكان النبي قد أسر للجذع بكلمات فسكت ثم دفنه تحت المنبر، فقالت الصحابة: "يا رسول الله، رأيناك تكلم الجذع فماذا قلت له؟" قال: "قلت له: أفلا تحب أن تكون رفيقي في الجنة؟" فسكت الجذع. يحن لرسول الله، ورسول الله يرحم الجذع وينزل فيحتضنه. إن الله كتب الإحسان على كل شيء، كل شيء. شيءٌ كُتِبَ عليه الإحسان، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتْلَة. هناك بعض المخلوقات التي خلقها الله اختباراً لنا، مثل الحشرات
الضارة المؤذية كالذباب والصراصير والنمل المعتدي على الإنسان، أشياء من هذا القبيل، ويجوز قتلها ولكن بلا عذاب، فلا تعذبها وإنما أحسن قتلتها. الإنسان عندما يُحكم عليه بالقصاص أو بالإعدام فإننا نعدمه ولكن. بطريقة إنسانية إذا قتلتم فأحسنوا القتلة سواء كان ذلك للإنسان أو سواء كان ذلك للحيوان أو سواء كان ذلك للحشرات المعتدية المؤذية الضارة، نقتل نعم من أجل عمارة الأرض من أجل سلامة الناس من أجل صحتهم، ولكن بإنسانية
برقي برحمة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة والقتلة، والذبحة اسم للهيئة فلا بد. أن تكون الهيئة رحيمة، ولذلك قال: "وليُحِدَّ أحدكم شفرته، وليُرِحْ ذبيحته"، يعني لا نسن السكين أمام الذبيحة بل بعيداً عنها. رحمة تجاوزت الإنسان إلى الحيوان إلى الأكوان. وهذه حقوق الأكوان في
الإسلام أكبر وأعظم من الاقتصار على حقوق الإنسان في أي فكر كان. السلام عليكم ورحمة الله،