شرح الأربعين النووية | حلقة 16 | حديث 18 | د. علي جمعة | English Subtitle

شرح الأربعين النووية | حلقة 16 | حديث 18 | د. علي جمعة | English Subtitle - الأربعين النووية, حديث
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع هذا المجلس الحديثي النبوي الشريف ومع الحديث الثامن عشر من الأربعين النووية عن أبي ذر جندب بن
جنادة وأبي عبد الرحمن معاذ بن جبل رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه. وسلم قال: "اتقِ الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن". رواه الترمذي وقال: "حديث حسن". وفي بعض النسخ من سنن الترمذي: "حديث حسن صحيح". وهذا الحديث يُعد من الأحاديث الأمهات، أي المفاتيح والقواعد والأركان في دين الله. تقوى الله مأمور بها في صدر
الكتاب، ذلك الكتاب. لا ريب فيه هدى للمتقين. تقوى الله مأمورٌ بها في هذا الحديث في كل وقت وحين. إذا اتقى الإنسان الله فإنه يُعلِّمه، قال تعالى: "واتقوا الله ويعلمكم الله". ولقد شاهدنا الأتقياء الأنقياء، وبضاعتهم من علوم الدنيا القليلة، أن الله سبحانه وتعالى علَّمهم الأدب وعلَّمهم السلوك وعلَّمهم قواعد الطريق إليه سبحانه. وتعالى وعلمهم كيف يتعاملون مع الناس، وكثير ممن حصلوا على المعلومات في المدارس ليس عندهم هذا النجاح
في الكون. وأدرك ذلك الشاعر أحمد شوقي أمير الشعراء، فقال في قصيدة له تسمى "كتابي": "وكم منجب في تلقي الدروس تلقى الحياة فلم ينجب". ونعم، نقول إنه كان متواضعاً في تلقي العلم وتلقي أمر مهم لكنه اتقى الله سبحانه وتعالى فعلّمه كيف يكون في وسط الناس كالوردة، كل الناس تحبه وهو ناجح في معاملاته مع الناس بالرغم من قلة بضاعته في العلم الأكاديمي. اتقِ الله حيثما كنت، حيثما كنت، فدخل الزمان ودخل المكان
ودخل مع كل الأشخاص وفي جميع الأحوال، والتقوى يُعبَّر عنها. سيدنا علي عبَّر بشكل حسن فيقول: التقوى هي الخوف من الجليل سبحانه، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل. هذه هي التقوى، فالتقوى معناها أن يلتفت الإنسان وأن يحذر وأن يكون دائماً على استعداد لأن يسارع في طاعة الله سبحانه وتعالى. سأل عمر بن الخطاب أُبيَّ بن كعب وكان من الذين يحفظون
القرآن سأله فقال له: "ما التقوى؟" قال: "يا أمير المؤمنين، أسرت في وادٍ فيه شوك؟" قال: "نعم". قال: "ماذا فعلت؟" قال: "شمرتُ عن ثيابي وأخذت أحذر ما أرى". قال: "هذه هي التقوى". فعندما يكون هناك شوك في الطريق، فإن الإنسان يكون حريصاً ألا يُصيب قدمه وألا يُصيب ثيابه. لأنه يؤذيه فيكون حريصاً على أن يبتعد عن كل شيء يؤذي، هذه هي التقوى. هكذا أنت تتقي من أجل البعد عن الأذى، وتقوى الله أن تبتعد وأن تتقي المعاصي وأن
تبتعد عنها وأن تحذر كل ذلك. قال ابن المعتز وقد أخذ هذا المعنى من كلام عمر رضي الله تعالى عنه. مع أبي بن كعب رضي الله تعالى عنهم، اترك الذنوب كبيرها وصغيرها، ذلك هو التقوى. واسلك طريقك كماشٍ فوق أرض الشوك يحذر ما يرى. لا تستهن بالذنوب الصغيرة، فإن الجبال تتكون من الحصى. وقد صار هذا البيت مثلاً: "لا تستهن بالذنوب الصغيرة، فإن الجبال تتكون من الحصى". فالتقوى أن تخاف كل المعاصي وأن تعمل بالتنزيل بعد ابتعادك عن المعاصي، تفعل
الأوامر وأن ترضى في حياتك بالقليل، وأن تستعد ليوم الرحيل بفعل الطاعات، واتبع السيئة الحسنة تمحها، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون"، والحسنات يذهبن السيئات، ولذلك أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. دائماً إذا ما وقع أحدنا في خطيئة أن يبادر بالتوبة وأن يبادر بالعمل الصالح حتى يمحو أثر هذا العمل السيء. جاء أحدهم واشتكى ذنباً فقال: "اذهب فتوضأ وصلِّ ركعتين". جاء أحدهم يشكو من ذنب فأمره بالصدقة وقال:
"إن الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار"، وأمر بالصدقة وقال: "اتق النار". ولو بشق تمرة، فكلما يقع الإنسان وهو خطاءٌ كثير الخطأ في المعصية، فعليه أن يبادر بالتوبة ولا ييأس ولا يستحي حتى لا يؤدي به هذا الخجل إلى عدم التوبة. وأتبع السيئة الحسنة تمحها، ولذلك كانت الصلوات الخمس كفارة لما بينها، وكان من رمضان إلى رمضان ومن الجمعة إلى الجمعة ومن العمرة كفارة لما بينها، والنبي صلى الله عليه وسلم يصف الصلوات الخمس: "أرأيتم لو أن أحدكم على باب داره نهر يغتسل منه في اليوم خمس مرات، أيبقى ذلك من درنه
شيء؟" قال: "لا يبقى ذلك من درنه شيء يا رسول الله". قال: "كذلك الصلاة". إذاً فلا بد على الإنسان... أن يبدأ دائماً من جديد، جدِّد إيمانك وخالِقِ الناس بخُلُقٍ حسن. وهناك حديث مسلسل بالحسن، فعن الحسن، عن أبي الحسن، عن جد الحسن: أحسنُ الحَسَن الخُلُقُ الحسن. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.