شرح الأربعين النووية | حلقة 18 | حديث 20 - 21 | أ.د علي جمعة | English Subtitle

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاها. مع هذا المجلس الحديثي المبارك النبوي المصطفوي، نعيش مع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديثه الشريفة المنيفة مع الأربعين النووية. في الحديث العشرين يُروى
عن أبي مسعود عقبة بن عمرو. الأنصاري البدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت". رواه البخاري. وهذا حديث مهم يلخص لنا خلقاً قويماً أمرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الحياء. والنبي صلى الله عليه. وسلم كان يقول: "الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن طريق الناس، والحياء شعبة من شعب الإيمان". وأتاه رجل يبين له أن أخاه يستحي،
فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول له: "الحياء خير كله". وهنا يبين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. الحياء من الله سبحانه وتعالى والحياء من النفس، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس مرة حول بئر، فدخل عليه أبو بكر وعمر وعلي، وكان جزء من فخذه الشريفة يظهر في جلسته. فلما دخل عثمان غطى هذا الجزء، فقيل له في هذا، فقال: "ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة". وكان عثمان حيياً للغاية وكان كريماً، جهّز جيش
العسرة والنبي صلى الله عليه وسلم قال حينئذ: "ما ضرّ ابن عفان ما فعل بعد اليوم". حتى أنه زوّجه بابنتيه السيدة رقية والسيدة أم كلثوم، فسُمّي من حينئذ بذي النورين. ولما ماتت رقية عنده وماتت أم كلثوم عنده فإن النبي صلى الله عليه وسلم سلّاه وقال: "لو كانت عندي ثالثة لزوجتكها يا عثمان". كان عثمان رضي الله تعالى عنه غنياً، ولكنه كان حيياً، كان يستحي كثيراً من الله، وكان يستحي كثيراً من الناس، وهذا الحياء خير كله في الدنيا وفي الآخرة. تلهج الناس بذكر ذي النورين
عثمان بن عفان من حيائه وهنا. يُبيِّن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الحياء أمر قديم أُمِرنا به في كل شريعة وجاء به كل نبي، وكان ديدن الأنبياء وكان خُلُقهم، وهو من أوامر الله سبحانه وتعالى. الحياء مع الله، والحياء مع النفس، والحياء مع الناس. إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى والنبوة الأولى. يعني آدم لأنه كان نبياً، "إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت"، فسبب كل الفجور هو عدم الحياء، وسبب
الانحراف هو عدم الحياء، وسبب بقاء الجهل وبقاء المرض وبقاء البطالة وبقاء النزاع في المجتمعات هو عدم الحياء، لأن المجتمع إذا استحيا من الله سبحانه وتعالى يعمل لإزالة المنكرات ولإزالة الجوع في. المجتمع، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "والله لا يؤمن من بات شبعان وجاره جوعان" لأنه ليس عنده هذه الحياة. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بتعليم الجيران، ويغضب عندما يتراخى أحدهم في تعليم جيرانه. "إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت"، هذا
هو بلاء العصر الذي نحن فيه. نجدُ عدمَ الحياة، نجدُ رمضان وهو شهرُ التقوى، شهرُ العبادة، الصيام والصلاة والذكر والقرآن بالليل وبالنهار، يتحولُ إلى هجومٍ كاسحٍ من المسلسلات التي تصل إلى أكثر من ثلاثمائة مسلسلٍ في هذا العام. ثلاثمائة مسلسل! لِمَ لا يختارون شهراً آخر مثل شهر يناير ويجعلونه للاحتفال بهذا البلاء إذا تكلمت؟ هكذا هبّ فيك القريب والبعيد وبغير حياء. ليس هناك حياء للعدوان على الوقت الذي خُصص
في شهر رمضان لمراجعة النفس ولملء القلب بشحنات الإيمان. ليس هناك حياء، ولذلك يصنعون ما يشاؤون. "إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت" الحديث الحادي. ولا شيء عن أبي عمرو سفيان بن عبد الله الثقفي. رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً غيرك، قال: قل آمنت بالله ثم استقم. رواه مسلم. كان الصحابة الكرام يحبون دائماً المفاتيح التي يفعلها الإنسان فيؤدي الدين كله، ولذلك كانوا
يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أحب الأعمال. إلى الله وكانت إجابة رسول الله صلى الله عليه وسلم تختلف كل مرة عن الأخرى بحسب السائل، فمرة يقول أحب الأعمال إلى الله الصلاة على وقتها، ومرة يقول أحب الأعمال إلى الله سبحة الحديث، ومرة يقول أحب الأعمال إلى الله بر الوالدين، ومرة يقول أحب الأعمال إلى الله الجهاد في سبيل الله وكذلك هنا قل آمنت بالله ثم استقم. الإيمان بالله والعمل الصالح مفتاح يمكن للإنسان إذا تمسك به أن يستديم وأن يفعل الخير كله والإسلام كله. فالإسلام كالدائرة، حيثما وضعت يدك على أي مدخل من
مداخله وأي حكم فيه وأتقنته، رأيت الإسلام كله قد أتقن لك. ابدأ. ليكن لسانك رطباً بذكر الله، فبذكر الله تجد أن الإسلام كله أصبح بين يديك. ابدأ بالصلاة أو بالجهاد أو ببر الوالدين أو بحسن الخلق أو بالاستقامة، فإنك تجد الإسلام كله قد جاءك وفعلته شيئاً فشيئاً. هذه مفاتيح كانت الصحابة الكرام تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها. رواه مسلم. استقم كما أُمرت كما قال الله سبحانه وتعالى. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله. والسلام
عليكم ورحمة الله وبركاته.